أعلن علماء فلك من جامعة توليدو أن تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا قد يكون اكتشف الجيل الأول من النجوم التي تشكلت في الكون بعد الانفجار الكبير مباشرة، والمعروفة باسم نجوم Population III أو الجيل الثالث. هذه النجوم تُعتبر أقدم الأجسام النجمية في الكون، ويُعتقد أنها ولدت قبل حوالي 200 مليون سنة من الانفجار الكبير، في فترة كان فيها الكون مليئًا بغاز الهيدروجين والهيليوم تقريبًا دون وجود عناصر ثقيلة، ما يجعل رصدها تحديًا كبيرًا للعلماء منذ عقود.
وتم رصد النجوم المحتملة ضمن مجرة بعيدة جدًا تُعرف باسم LAP1-B، وقطع ضوء هذه المجرة مسافة نحو 13 مليار سنة ضوئية ليصل إلى تلسكوب جيمس ويب الفضائي، ما يعني أن الصور التي نراها تعكس حالة المجرة بعد 800 مليون سنة فقط من الانفجار العظيم. ويشير الباحثون إلى أن هذه النجوم قد تكون الأولى التي نرصدها من نوعها، إذ صرح قائد الفريق من جامعة توليدو، إيلي فيسبال، بأن "اكتشاف نجوم LAP1-B إذا كانت بالفعل من نجوم Population III، سيكون الأول من نوعه".
فهم العصور المبكرة في الكون
ولم يكن رصد هذه النجوم ممكنًا بدون الاستعانة بـ ظاهرة العدسة الجاذبية، التي وصفها ألبرت أينشتاين في نظريته النسبية العامة عام 1915، والتي تسمح بتكبير الضوء القادم من جسم بعيد بفعل تشوه الزمكان بواسطة جسم متوسط الكتلة يقع بين المراقب والجسم البعيد. في هذه الحالة، وساعد عنقود المجرات الضخم MACS J0416.1-2403، الذي يقع على بعد حوالي 4.3 مليار سنة ضوئية بين الأرض وLAP1-B، على تضخيم الإشارة القادمة من المجرة بمقدار 100 مرة، ما جعل من الممكن رؤيتها باستخدام الأشعة تحت الحمراء عالية الحساسية لتلسكوب جيمس ويب.
وتعتبر هذه النجوم المفتاح لفهم العصور المبكرة للكون، وخاصة الفترة التي سبقت ما يعرف بـ "عصر إعادة التأين"، حيث تحول غاز الهيدروجين والهيليوم من حالته المتعادلة إلى بلازما مشحونة بفعل الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من النجوم والمجرات الأولى، منهية بذلك العصور الكونية المظلمة. وتشكّل نجوم Population III اللبنات الأساسية التي ساهمت لاحقًا في بناء المجرات الكبيرة، كما أنها تحمل معلومات هامة عن خصائص المادة المظلمة، إذ أن النماذج المختلفة للمادة المظلمة تؤثر على مكان وكيفية تشكل هذه النجوم.
ويتميز هذا الجيل النجمي بانخفاض محتواه من المعادن، وهو ما سمح لهذه النجوم بالنمو إلى أحجام هائلة، قد تصل كتلتها إلى نحو 100 ضعف كتلة الشمس أو أكثر، فيما تتجمع غالبًا في مجموعات صغيرة نسبيًا. وأظهرت الدراسات أن النجوم الموجودة في LAP1-B محاطة بغاز فقير بالمعادن، وتتجمع في مجموعات تصل كتلتها الإجمالية إلى حوالي 1000 ضعف كتلة الشمس، ما يجعلها نموذجًا مثاليًا لدراسة تكوين النجوم الأولى.
تشكيل المجرات وتطور الكون
وبفضل هذا الاكتشاف، أصبح بالإمكان دراسة الانتقال من الجيل الأول من النجوم إلى الجيل الثاني (Population II)، وفهم كيفية تشكل العناصر الثقيلة التي أنتجتها هذه النجوم من خلال حياتها وموتها، والتي أسهمت لاحقًا في تشكيل المجرات والنجوم الحديثة. ويشير العلماء إلى أن هذه النتائج تبرز قدرة تلسكوب جيمس ويب على الوصول إلى أعماق الكون باستخدام الأشعة تحت الحمراء، وتقديم معلومات دقيقة لم تكن متاحة للتلسكوبات السابقة، ما يعزز فهمنا لتطور الكون المبكر.
وأكد الفريق البحثي أن استخدام العدسة الجاذبية يمكن أن يكون وسيلة فعالة لاكتشاف المزيد من نجوم Population III عند الانزياحات الحمراء العالية، وأن النتائج الحالية ستسهم في تطوير محاكاة هيدروديناميكية دقيقة لدراسة انتقال الكون من مرحلة النجوم البدائية إلى المراحل التي تلتها، بما في ذلك تشكيل المجرات الأولى. وقد نشر البحث في مجلة The Astrophysical Journal Letters في أواخر أكتوبر 2025، ليشكل خطوة نوعية مهمة نحو إعادة بناء تاريخ الكون في مراحله الأولى وفهم الأحداث التي سبقت تكوّن النجوم والمجرات كما نعرفها اليوم.
اقرأ أيضًا:
البراكين.. عامل توصيل الألماس إلى سطح الأرض
مشروع "بيع ضوء الشمس" في الفضاء يثير تخوّف العلماء
لماذا نشعر بمرور الوقت أسرع كلما تقدمنا بالعمر؟














