يأتي غالبية الألماس الطبيعي في العالم، بنسبة تزيد عن 70%، من مصدر جيولوجي واحد ومحدد وهو الكمبرلايت.
ورغم عقود من البحث، ظل العلماء في حيرة من أمرهم حول كيفية صعود هذه الصخور النادرة من أعماق سحيقة في باطن الأرض إلى السطح.
والآن، كشفت دراسة جديدة نُشرت في مجلة “Geology” أن الظروف الدقيقة التي تسمح لهذه “المصاعد” البركانية الفائقة السرعة بالعمل، محددةً ولأول مرة “الوصفة” الكيميائية اللازمة لجلب كنوز الألماس من باطن الأرض.
كيف يصل الألماس إلى السطح؟
يُعرَّف الكمبرلايت بأنه أنابيب بركانية عمودية على شكل ثمرة “جزرة”، تتكون على أعماق تزيد عن 150 كيلومترًا في باطن الأرض.
وأسرت هذه التكوينات الجيولوجيين طويلًا لأنها تقدم لمحة نادرة ومباشرة عن باطن الكوكب السحيق.
وتندفع الصهارة التي تكوّنها عبر الوشاح والقشرة الأرضية بسرعات مذهلة، قد تصل إلى 130 كم/ساعة، قبل أن تثور بعنف شديد عند السطح.
يشكل هذا الصعود السريع عاملًا حاسمًا لبقاء الألماس، ففي حال صعدت الصهارة ببطء، فإن الضغوط ودرجات الحرارة المنخفضة نسبيًا قرب السطح كافية لتحويل الألماس الثمين إلى غرافيت (الكربون المستخدم في أقلام الرصاص)، وهو الشكل المستقر للكربون في هذه الظروف.
ولكن الكمبرلايت، بسرعته الفائقة، “يجمد” الألماس ويمنعه من هذا التحول، حاملًا معه أثناء صعوده شظايا من الصخور والمعادن تُعرف بالزينوليث والزينوكريست من الطبقات التي يمر بها.
تعمقت الدكتورة آنا أنزولوفيتش، الباحثة في مركز قابلية السكن الكوكبي بجامعة أوسلو، وفريقها، في هذا اللغز، وباستخدام النماذج الحاسوبية المتقدمة، فحص الباحثون كيف تؤثر المواد المتطايرة، وتحديدًا ثاني أكسيد الكربون والماء على قابلية “الكمبرلايت الأولي” للطفو مقارنة بالصخور المحيطة به.
وتوضح أنزولوفيتش أن الصخور التي نراها اليوم “مُغيرة للغاية” عما كانت عليه عند انطلاقها، مما يجعل فهم الصهارة “الأبوية” الأصلية أمرًا شبه مستحيل دون اللجوء إلى المحاكاة.
لجأ الفريق إلى برمجيات الديناميكا الجزيئية لمحاكاة القوى الذرية وتتبع حركة الذرات في صهارة الكمبرلايت تحت ظروف ضغط وحرارة مختلفة.
وركزت الدراسة على “كمبرلايت جيريكو” في شمال غرب كندا، وتقول أنزولوفيتش: “كانت فكرتنا هي: دعونا ننشئ نموذجًا كيميائيًا للكمبرلايت، ثم نغير نسب ثاني أكسيد الكربون والماء، كأننا نأخذ عينات منه وهو يصعد”.
توصلت الدراسة إلى أن الماء يلعب دورًا حيويًا في زيادة “الانتشارية” مما يحافظ على سيولة الصهارة ويجعلها سريعة الحركة أي منخفضة اللزوجة، بينما يلعب ثاني أكسيد الكربون الدور الأبرز.
على الأعماق الكبيرة، يساعد في هيكلة الصهارة، ولكن مع اقترابه من السطح، فإنه “يتحرر من الغازات تمامًا مثل فتح علبة صودا مُرجّة مما يولد قوة دفع هائلة تدفع الثوران بعنف نحو الأعلى.
لأول مرة، تمكن الباحثون من تحديد الكمية الدقيقة اللازمة لهذه العملية/ وأثبتت النماذج أن كمبرلايت جيريكو يحتاج إلى 8.2% على الأقل من ثاني أكسيد الكربون لكي يتمكن من الثوران.
وبفضل هذه النسبة، يمكن للصهارة حمل ما يصل إلى 44% من صخور الوشاح (البيريدوتيت) إلى السطح، وهو رقم مذهل يفسر كيف يصل الألماس إلينا.













