كان الكويكب “2024 YR4” بطلاً لقصة درامية قصيرة، حيث انتقل في غضون أشهر من كونه التهديد الأخطر على الإطلاق لكوكبنا إلى مجرد نقطة بعيدة في الفضاء. ولكن بينما تنفست الأرض الصعداء، فإن مسار هذا الجرم الصخري، الذي يقارب حجمه حجم مبنى، قد فتح فصلًا جديدًا من القلق والتساؤلات العلمية، محولًا الانتباه من كوكبنا إلى رفيقنا السماوي الوحيد “القمر”.
ولم تعد القصة تدور حول اصطدام وشيك بالأرض، بل تحولت إلى تخمينات وتكهنات حول ما إذا اصطدم هذا الجسم السماوي بالقمر وتداعيات ذلك على الأرض. وأصبح الآن هذا السيناريو، الذي كان يُعتبر من قبل ضربًا من الخيال العلمي، احتمالًا حقيقيًا يدرسه العلماء بجدية. فبعد أن استبعدت الأرصاد الدقيقة اصطدام YR4 بالأرض في أواخر عام 2032، وأظهرت نفس البيانات وجود احتمال ضئيل ولكنه حقيقي، بنسبة 4.3%، بأن هذا “القاتل المدني” قد يصطدم بسطح القمر، في حدث لم تشهده البشرية من قبل بشكل مباشر، وقد تكون له عواقب تتجاوز مجرد وميض في السماء.
لو حدث هذا الاصطدام النادر، فإن أول ما سيلاحظه سكان الأرض هو وميض ساطع بشكل استثنائي في قرص القمر، يمكن رؤيته بالعين المجردة لعدة ثوانٍ. هذا الوميض سيكون ناتجًا عن طاقة هائلة يطلقها جرم يبلغ قطره حوالي 60 مترًا، وهي طاقة كافية لحفر فوهة جديدة على سطح القمر بعرض كيلومتر واحد تقريبًا، أي بحجم “فوهة النيزك” الشهيرة في ولاية أريزونا. وسيكون هذا الاصطدام، بحسب النماذج الأولية، الأكبر الذي يشهده القمر منذ 5000 عام.
لكن التأثيرات لن تتوقف عند هذا الحد. فالاصطدام سيقذف ما يصل إلى 108 كيلوغرامات من الصخور والغبار القمري إلى الفضاء. وسيصل جزء كبير من هذه المقذوفات، خاصة الجسيمات التي بحجم حبات الرمل، إلى محيط الأرض في غضون أيام إلى أشهر، مندفعة بسرعات تفوق سرعة الرصاصة. ونتيجة ذلك زخات نيزكية كثيفة ومذهلة بصريًا. ويؤكد العلماء أنه لا يوجد أي خطر على الإطلاق على البشر على سطح الأرض، فغلافنا الجوي سيحمينا بسهولة من هذه الجزيئات الصغيرة.
الخطر الحقيقي لهذا السيناريو لا يكمن على الأرض، بل في الفضاء المحيط بها. فالقمر لا يملك غلافًا جويًا، مما يعني أن الحطام الناتج عن الاصطدام سينتشر على نطاق واسع وبسرعات هائلة، مشكلًا تهديدًا مباشرًا لأي رواد فضاء أو بنية تحتية قد تكون على سطحه في ذلك الوقت.
أما الخطر الأوسع نطاقًا فيتمثل في تلك السحابة من الجزيئات القمرية الدقيقة التي ستجتاح مدار الأرض. هذه الجسيمات، رغم صغرها، قد تتسبب في أضرار جسيمة لأسطول الأقمار الصناعية الذي تعتمد عليه البشرية في كل شيء تقريبًا، من الاتصالات والملاحة إلى التجارة والتعليم. ويتوقع العلماء أن تتعرض الأقمار الصناعية في غضون أيام قليلة لما يعادل 10 سنوات من التآكل الطبيعي بسبب النيازك الدقيقة. ولن يكون الأمر سيناريو كارثيًا يؤدي إلى تدمير الأقمار الصناعية بالكامل، بل أشبه بضربة حصاة على زجاج سيارة أمامي، مما قد يؤدي إلى إتلاف الألواح الشمسية الحساسة أو غيرها من المكونات، وتعطيل خدمات حيوية مؤقتًا.
أثارت قصة الكويكب YR4 نقاشًا جديدًا بالكامل داخل مجتمع الدفاع الكوكبي. فلم يعد الهدف هو حماية الأرض فقط. يقول الدكتور بول ويغرت، أستاذ علم الفلك بجامعة ويسترن أونتاريو: “بدأنا ندرك أننا ربما نحتاج إلى توسيع نطاق هذا الدرع قليلاً”. فمع وجود بنية تحتية وأصول بشرية على القمر وفي مداره، أصبح القمر نفسه هدفًا يستحق الحماية.
ويطرح هذا السيناريو تساؤلًا وهو هل يجب إرسال مهمة اعتراضية، على غرار مهمة DART الناجحة التي قامت بها ناسا لتغيير مسار كويكب في عام 2022، لحماية القمر من اصطدام محتمل؟ وتعتمد الإجابة على تقييمات المخاطر المستقبلية التي ستجرى عند عودة الكويكب للظهور في التلسكوبات حوالي عام 2028. فمن جهة، هناك خطر على الأقمار الصناعية، ومن جهة أخرى، يمثل هذا الاصطدام فرصة علمية هائلة لدراسة كيفية استجابة سطح القمر للتأثيرات بشكل مباشر.
وتسلط رحلة YR4 الضوء أيضًا على التحدي الأكبر في مجال الدفاع الكوكبي وهو عملية الرصد. فقد تم اكتشاف هذا الكويكب بعد يومين من أقرب مرور له بالأرض، لأنه كان قادمًا من اتجاه الشمس، وهي أكبر نقطة عمياء للتلسكوبات الأرضية. ولحسن الحظ، فإن الجيل القادم من التلسكوبات الفضائية، مثل “NEO Surveyor” التابع لناسا و”NEOMIR” التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، مصمم خصيصًا لسد هذه الثغرة، مما سيمنح العلماء وقتًا أطول بكثير لدراسة مسارات الكويكبات واستبعاد أي خطر محتمل بشكل أسرع.