يمثل برنامج الجينوم السعودي، الذي دشنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في عام 2018، مبادرة وطنية رائدة تتجاوز مجرد البحث العلمي لتضع أهدافًا استراتيجية طموحة، تهدف إلى إحداث ثورة في قطاع الرعاية الصحية بالمملكة.
يرتكز هذا المشروع، الذي يضع المملكة ضمن عشر دول فقط في العالم في نادي “GENOME CLUB 100K”، على إنشاء أول خريطة وراثية للمجتمع السعودي، بهدف الحد من انتشار الأمراض الوراثية وتحسين جودة الحياة للأجيال القادمة. ولا تقتصر الأهداف المحورية لبرنامج الجينوم السعودي على الجانب الصحي فحسب، بل تمتد لتشمل بناء القدرات الوطنية، وتعزيز مكانة المملكة كمركز عالمي رائد في علوم الوراثة، وتحقيق مستهدفات رؤية 2030.
ويكمن الهدف التأسيسي لـبرنامج الجينوم السعودي في جمع وتحليل 100 ألف عينة وراثية من المجتمع السعودي. هذه العملية الضخمة تهدف إلى بناء قاعدة بيانات جينية وطنية شاملة، تكون بمثابة المرجع العلمي الأول لفهم التركيبة الوراثية للمجتمع السعودي. هذه القاعدة هي التي تمكّن العلماء والباحثين من كشف المتغيرات الوراثية والجينية المسببة للأمراض السائدة في المملكة.
وقد حقق برنامج الجينوم السعودي بالفعل إنجازات كبيرة في هذا المسار، حيث تم فحص أكثر من 61 ألف عينة حتى نوفمبر 2020، وتوثيق 7,500 متغير وراثي مسبب للأمراض، منها 3 آلاف متغير مسؤول عن حوالي 1230 مرضًا وراثيًا نادرًا.
أحد أهم أهداف برنامج الجينوم السعودي هو الانتقال بالرعاية الصحية من المفهوم التقليدي إلى الطب الشخصي المتقدم. فمن خلال فهم الشيفرة الوراثية للأفراد، يهدف البرنامج إلى:
تطوير أدوات التشخيص.. توفير تشخيص دقيق وسريع للأمراض الوراثية المختلفة، مثل السرطانات الوراثية، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والأمراض العصبية، وأمراض المناعة الذاتية.
تحسين طرق العلا.. وضع خطط علاجية مخصصة لكل مريض بناءً على تركيبته الجينية، وإعطاء الدواء المناسب بالجرعة المناسبة، مما يرفع من فعالية العلاج ويقلل من آثاره الجانبية.
تطبيق برامج وقائية.. يعمل برنامج الجينوم السعودي على تطبيق برامج وقائية للكشف المبكر عن الأمراض والحد منها قبل ظهورها، وتشمل هذه البرامج: الفحص الطبي ما قبل الزواج، والفحص الوراثي للأجنة قبل الغرس، وفحص حديثي الولادة.
لا تقتصر أهداف برنامج الجينوم السعودي على الداخل، بل تمتد لتحقيق الريادة العالمية. فالبرنامج يهدف إلى وضع المملكة في مكانة رائدة في علم الجينوم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويترافق هذا الطموح مع هدف استراتيجي آخر وهو بناء وتأهيل الكفاءات الوطنية. فالبرنامج يعمل على تدريب جيل جديد من العلماء والباحثين السعوديين في هذا المجال المتطور، وقد انعكس ذلك في نشر 134 ورقة علمية محكّمة في مجلات عالمية، ومشاركة 600 باحث سعودي في 110 محاضرات ومؤتمرات علمية دولية. هذا الحراك العلمي يضمن استدامة المشروع وتوطين المعرفة.
ويتم تنفيذ أهداف برنامج الجينوم السعودي عبر شبكة من ثمانية مختبرات طرفية موزعة في أنحاء المملكة، في الرياض وجدة والمدينة المنورة وحائل والمنطقة الشرقية، لتسهيل الوصول إلى المواطنين وضمان شمولية المشروع. وفي الختام، تتضح الأهداف المتكاملة لبرنامج الجينوم السعودي، فهو يسعى لاستخدام المعرفة الوراثية لتحقيق نقلة نوعية في الرعاية الصحية، وتعزيز الاقتصاد المعرفي، وترسيخ مكانة المملكة كقوة عالمية في علوم الحياة.