في عالم تتباين تضاريسه بين القمم الشاهقة والوديان العميقة، تظل “أدنى نقطة على سطح الأرض” موضوعًا يثير الفضول العلمي والجغرافي على حد سواء، وبينما ترتفع قمة جبل إيفرست إلى أكثر من 8800 متر فوق مستوى سطح البحر، تقع أدنى نقطة على سطح الأرض على الضفة الغربية للبحر الميت، بانخفاضٍ مذهل يصل إلى نحو 430 مترًا تحت مستوى سطح البحر.
تُعتبر ضفاف البحر الميت، الواقعة بين الأردن وفلسطين، “أدنى نقطة على سطح الأرض” فوق اليابسة، وهي ليست بحرًا فعليًا بل بحيرة مالحة مغلقة، ويمثل هذا الموقع أكثر من مجرد ظاهرة جغرافية، بل يُعد شاهدًا جيولوجيًا فريدًا على تطورات الأرض عبر ملايين السنين.
ورغم أنها أدنى نقطة على سطح الأرض، فإنها ليست أعمقها، فخندق ماريانا في المحيط الهادئ يحتفظ بلقب أعمق نقطة في العالم تحت سطح البحر.
يقع البحر الميت على امتداد صدع البحر الميت، وهو جزء من النظام التكتوني المعروف بوادي الصدع العظيم، وبفصل هذا الصدع بين الصفيحتين العربية والأفريقية، ويتحرك جانباه في اتجاه شمالي، مع تقدّم الجانب الشرقي أسرع بنحو 5 ملليمترات سنويًا.
يعتقد علماء الجيولوجيا أن سبب وجود أدنى نقطة على سطح الأرض يعود إلى طبيعة الصدع المتعرجة، حيث أدى هذا التعرج إلى تكوّن فراغ بين جانبي الصدع، حيث تشكّل ما يُعرف بـ”الحوض المنفصل”، ما سمح بهبوط طبقات الأرض إلى هذا العمق الفريد.
يمتد البحر الميت بطول 76 كيلومترًا، ويصل عرضه إلى 18 كيلومترًا، وتتميّز مياهه بملوحتها الشديدة وانعدام الحياة فيها، وقد أطلق الرهبان القدماء عليه اسم “البحر الميت” بسبب غياب الكائنات الحية عنه، وهو أمر فريد يميّز هذه البقعة التي تمثل أدنى نقطة على سطح الأرض.
وبحسب وكالة ناسا، يتأثر مستوى مياه البحر الميت يوميًا بسبب التبخر، خاصة في الصيف، حيث يمكن أن ينخفض مستوى المياه من 2 إلى 3 سنتيمترات يوميًا، ويزيد هذا التغير المستمر من ديناميكية أدنى نقطة على سطح الأرض، ويجعلها غير ثابتة تمامًا من حيث العمق.
يؤكد الباحث روب بوكالني أن الصدع التحويلي الذي يمر عبر البحر الميت يشبه صدع سان أندرياس في كاليفورنيا، وإذا كان الصدع مستقيمًا، لما تكونت هذه الفجوة العميقة، ولكن الطبيعة المتعرجة أدت إلى انفصال قطعة ضخمة من القشرة الأرضية وهبوطها قبل حوالي 4 ملايين سنة.
كما يقترح العلماء أن البحر الميت هو “حوض هابط”، أي أن جزءًا من القشرة الأرضية هبط نتيجة القوى التكتونية، مما أدى إلى نشوء أدنى نقطة على سطح الأرض بطريقة أكثر تعقيدًا مما كان يُعتقد سابقًا.
رغم التقدم العلمي، تبقى الآليات الدقيقة التي أدت إلى تشكل أدنى نقطة على سطح الأرض موضوعًا مفتوحًا للبحث، حيث إن الحركة البطيئة للصفيحات التكتونية والتكلفة العالية لمراقبة التغيرات الأرضية تجعل الوصول إلى إجابات قاطعة أمرًا صعبًا.
وفي النهاية، تظل ضفاف البحر الميت شاهدة على قدرة الطبيعة في نحت الأرض، وصناعة أكثر المواقع انخفاضًا في العالم، مما يجعل أدنى نقطة على سطح الأرض رمزًا للجمال الجغرافي، ولغزًا علميًا في آنٍ واحد.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
سر حرارة الصيف.. لماذا تزداد الأرض سخونة رغم بُعدنا عن الشمس؟