لطالما كان العلم محركًا للتقدّم البشري، مدفوعًا بالفضول والتجربة والرغبة في الفهم. لكن المسار العلمي ليس دائمًا مستقيمًا، فهناك نظريات خاطئة اعتُبرت في وقت سابق من المُسلّمات، قبل أن تنكشف حقيقتها كأخطاء عظيمة. هذه النظريات، رغم زوالها، لعبت دورًا مهمًا في دفع العلماء نحو الدقة، والشك، والتجريب الصارم.
فيما يلي 10 من أكثر النظريات العلمية التي لاقت قبولًا واسعًا ثم سقطت سقوطًا مدوّيًا.
في سبعينيات القرن الماضي، أثارت بعض وسائل الإعلام ضجة حول “عصر جليدي وشيك”، استنادًا إلى انخفاض درجات الحرارة في نصف الكرة الشمالي من الأربعينيات حتى السبعينيات. رغم أن القليل من الدراسات أشار إلى احتمال التبريد، كانت معظم الأبحاث تتنبأ بارتفاع درجات الحرارة. وقد ثبت لاحقًا أن التغيرات كانت ناتجة عن التلوث الصناعي، وليس بداية عصر جليدي جديد.
في عام 1989، ادّعى عالمان أنهما حققا اندماجًا نوويًا في المختبر عند درجة حرارة الغرفة. لو صح ذلك، لكان إنجازًا ثوريًا في مجال الطاقة. لكن عدم تمكن العلماء من تكرار النتائج، وغموض البيانات الأصلية، أديا إلى سقوط النظرية في وقت قصير، لتصبح درسًا كلاسيكيًا في الحاجة إلى التكرار والتحقق.
ادّعى الفيزيائي الفرنسي رينيه بلوندلو عام 1903 أنه اكتشف نوعًا جديدًا من الأشعة تعزز الإضاءة. وبعد تجارب كثيرة، كشف الفيزيائي الأمريكي روبرت وود أنها كانت محض وهم، قائم على التوقع الذهني وليس الحقيقة. كانت هذه الحادثة تذكيرًا خطيرًا بأثر التحيّز في البحث العلمي.
كان يُعتقد أن الضوء يحتاج إلى وسط غير مرئي، يُدعى “الأثير”، لينتقل عبر الفضاء. لكن تجربة ميكلسون ومورلي في عام 1887 أثبتت عدم وجود هذا الأثير، قبل أن يقضي أينشتاين على النظرية تمامًا من خلال النسبية الخاصة عام 1905.
اعتقد العلماء في القرن السابع عشر أن مادة تدعى “الفلوجستون” تخرج من الأشياء عند احتراقها. ومع تطور القياس والتجارب الدقيقة، بيّن أنطوان لافوازييه أن الاحتراق لا يُخرج مادة، بل يعتمد على الأكسجين، محدثًا بذلك ثورة في علم الكيمياء.
اعتقد علماء القرن الثامن عشر أن الحرارة سائل غير مرئي يُنتقل من الأجسام الساخنة إلى الباردة. لكن تجارب جيمس جول أثبتت أن الحرارة شكل من أشكال الطاقة الحركية، وليست مادة فيزيائية، مما ساعد في ولادة علم الديناميكا الحرارية الحديث.
اقترحت نظرية “الكون المستقر” أن الكون لا بداية له ولا نهاية، وأن المادة تُخلق باستمرار للحفاظ على الكثافة. لكن اكتشاف الإشعاع الكوني الخلفي عام 1965 أكد صحة نظرية الانفجار العظيم، وأسدل الستار على الكون الأبدي.
قبل أن تُقبل نظرية الصفائح التكتونية، اعتقد بعض الجيولوجيين أن الأرض كانت تتمدد، ما أدى إلى تباعد القارات. لكن مع تطور تقنيات القياس الفضائي، ثبت أن الأرض لا تنمو، وأن حركتها ناتجة عن انزلاق الصفائح وتكوّن مناطق غوص.
سادت لقرون فكرة أن الروائح الكريهة تسبب الأمراض. وُضعت سياسات صحية ضخمة لمحاربة “الهواء الفاسد”. لكن لويس باستور وروبرت كوخ أثبتا أن الميكروبات، لا الروائح، هي المسؤولة عن الأمراض، مما أسّس لعلم الجراثيم والطب الحديث.
كان يُعتقد أن الكائنات الحية الصغيرة تظهر تلقائيًا من مواد غير حية، مثل الديدان من اللحم. دحض فرانسيسكو ريدي النظرية جزئيًا، قبل أن يثبت لويس باستور بشكل قاطع أن الحياة تأتي فقط من حياة سابقة، وليس من العدم.
هذه النظريات، رغم خطئها، لم تكن عبثية. بل كانت محاولات لفهم العالم استنادًا إلى المعطيات المتوفرة آنذاك. وعندما ظهرت أدلة جديدة، صحح العلماء مسارهم. في النهاية، العلم لا يتقدم رغم أخطائه، بل من خلالها—وهنا يكمن جماله.