شهدت بلدة بيت جن في ريف دمشق الجنوبي فجر الجمعة واحدة من أعنف الهجمات منذ أشهر، بعدما أدى قصف الاحتلال الإسرائيلي أعقب عملية برية للتوغل داخل البلدة إلى مقتل 13 شخصًا، إضافة إلى عشرات الإصابات ونزوح العديد من الأسر من المنطقة.
وقال مدير صحة ريف دمشق، الدكتور توفيق حسابا، إن العدد الإجمالي للضحايا فيما لا زالت بعض الجثث تحت الأنقاض، مضيفًا أن فرق الإسعاف نقلت المصابين إلى مشفى المواساة وقطنا، وأن بعض الحالات تستدعي تدخلًا جراحيًا عاجلًا. كما أشار إلى أن وحدات الإسعاف والدفاع المدني تعاملت مع إصابات طفيفة في موقعها نتيجة صعوبة الوصول إلى جميع النقاط المستهدفة بشكل مباشر.
وذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن الضربات الإسرائيلية استهدفت منازل سكنية في المنطقة الواقعة جنوب غرب دمشق عند سفح جبل الشيخ، ما أسفر عن سقوط قتلى بينهم نساء وأطفال، في وقت كانت فرق الإنقاذ تعمل على إخلاء العالقين داخل الأبنية المدمرة. كما أدى الهجوم إلى حركة نزوح داخلية باتجاه القرى المجاورة الأكثر أمناً.
وفي رواية قدّمها مختار البلدة، عبد الرحمن الحمراوي، لوكالة الأنباء الفرنسية، أوضح أن قوات الاحتلال الإسرائيلية توغلت ليلًا داخل البلدة بهدف القبض على ثلاثة شبان من سكانها، الأمر الذي أثار اشتباكات مع الأهالي الذين حاولوا التصدي للقوة المتقدّمة. وأشار إلى أن الاشتباكات تبعتها موجة قصف بطائرات مسيّرة ومدفعية ثقيلة، ما أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا بشكل كبير.
وعلى الجانب الإسرائيلي، أعلن الجيش في بيان رسمي أن العملية التي نفّذها خلال ليل الخميس – الجمعة كانت تستهدف "عناصر ينتمون إلى تنظيم الجماعة الإسلامية"، قائلًا إنهم كانوا ينفذون "أنشطة عدائية" ضد أهداف إسرائيلية. وأكد الجيش تنفيذ العملية بالكامل واعتقال الأشخاص الذين كان يبحث عنهم، مشيرًا في الوقت نفسه إلى إصابة ستة من جنوده خلال تبادل إطلاق النار، بينهم ثلاثة في حالة حرجة.
وتنشط "الجماعة الإسلامية" في لبنان وتعدّ من القوى المتحالفة مع حركة حماس، وسبق لإسرائيل أن استهدفت عددًا من مسؤوليها خلال مواجهاتها الأخيرة مع حزب الله. ويتزامن هذا التوتر مع استمرار إسرائيل في تنفيذ غارات متفرقة داخل سوريا منذ تغيّر السلطة في دمشق نهاية عام 2024، إلى جانب عمليات توغل في مناطق قريبة من خط الفصل بالجولان، الذي تضبطه اتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974.
دمشق: ما حدث "عدوان منظم"
سارعت وزارة الخارجية السورية إلى إدانة الهجوم بشدة، واصفةً الضربات بأنها "اعتداء إجرامي" خلّف خسائر بشرية ومادية كبيرة، ودمرت منازل وسبّبت موجات نزوح داخلية. واعتبرت الوزارة أن ما جرى يمثل "جريمة حرب مكتملة الأركان" لكون الضحايا شملوا مدنيين ونساء وأطفالًا.
وقالت الخارجية إن الهجوم يأتي في سياق "تصعيد إسرائيلي متواصل" في الأراضي السورية، محملةً إسرائيل "المسؤولية الكاملة" عن تداعيات الهجوم الأمنية والإنسانية. وطالبت دمشق مجلس الأمن والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية باتخاذ مواقف واضحة لوقف الانتهاكات الإسرائيلية، والضغط من أجل احترام القوانين الدولية وسيادة سوريا على أراضيها.
كما أكدت الوزارة أن سوريا "ستمضي في الدفاع عن أراضيها وشعبها بكل الوسائل المشروعة وفق القانون الدولي"، وأن الاعتداءات المتكررة "لن تثنيها عن التمسك بحقوقها وسيادتها ورفض الاحتلال".
إدانات عربية ودولية
في الدوحة، اعتبرت وزارة الخارجية القطرية التوغل الإسرائيلي في ريف دمشق "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي"، مشددة على أن التحركات الإسرائيلية داخل سوريا تؤدي إلى زيادة التوتر وتعرقل الجهود الرامية إلى تثبيت الأمن الإقليمي. وطالبت قطر بتحرك دولي عاجل لوقف الهجمات ومحاسبة المسؤولين عنها، مؤكدة تضامنها الكامل مع سوريا شعبًا وحكومة.
من جهتها، دانت نائبة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، نجاة رشدي، الغارات على بيت جن، ووصفتها بأنها "خرق خطير وغير مقبول" للسيادة السورية وللاتفاقيات الدولية، محذّرة من تأثير الهجوم على الاستقرار الهش في المنطقة. وقالت إن الأمم المتحدة تجدد دعوتها إلى وقف الاستهدافات العسكرية والالتزام باتفاق فك الاشتباك لعام 1974.
وفي مختلف المحافظات السورية، خرجت مسيرات شعبية عقب الهجوم للتعبير عن رفض الاعتداءات الإسرائيلية، وفق ما بثّته وكالة الأنباء السورية. وشهدت مدن عدة، بينها دمشق ودير الزور وحماة وطرطوس وجبلة، تجمعات رفعت شعارات تؤكد وحدة سوريا ودعم الجيش السوري في حماية البلاد.












