logo alelm
الفوضى السياسية تلاحق فرنسا بعد استقالة رئيس الوزراء

غرقت فرنسا مجددًا في أزمة سياسية جديدة بعد استقالة رئيس وزرائها سيباستيان ليكورنو، الذي لم يمضِ على توليه المنصب سوى 26 يومًا، ليصبح خامس رئيس حكومة يغادر موقعه خلال أقل من عامين. وجاءت استقالته المفاجئة بعد يوم واحد فقط من إعلان تشكيل حكومته، التي واجهت رفضًا حادًا من معظم الأحزاب في الجمعية الوطنية وتهديدات فورية بحجب الثقة عنها.

وترافقت الصدمة السياسية مع اضطرابات اقتصادية، إذ شهدت بورصة باريس تراجعًا ملحوظًا وسط مخاوف المستثمرين من عجز الطبقة السياسية عن إيجاد حلول لأزمة الميزانية المتفاقمة. ومع رحيل ليكورنو، دخلت فرنسا مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي الذي بات السمة الأبرز منذ الانتخابات البرلمانية المبكرة في صيف 2024، والتي أفرزت برلمانًا منقسمًا بين كتل متناحرة أيديولوجيًا غير قادرة على التعاون أو التوافق.

وسارع الرئيس إيمانويل ماكرون بعد الاستقالة إلى تكليف ليكورنو بمواصلة مهامه مؤقتًا وإجراء مشاورات عاجلة مع القوى السياسية لتقديم “خطة استقرار” خلال 48 ساعة. غير أن التكليف بدا أشبه بمحاولة أخيرة لإنقاذ المشهد السياسي المتصدع أكثر من كونه خطوة نحو حل حقيقي، في ظل انعدام الثقة بين الأطراف وتآكل سلطة الحكومة.

إخفاقات حكومية متكررة

استقالة ليكورنو جاءت بعد سلسلة متواصلة من الإخفاقات الحكومية؛ فبعد إقالة ميشيل بارنييه في ديسمبر الماضي وتراجع حكومة فرانسوا بايرو إثر رفض البرلمان تمرير ميزانيتها التقشفية، فشل ليكورنو هو الآخر في حشد دعم برلماني كافٍ لتمرير ميزانية 2026، ما فاقم الانقسام السياسي وزاد الضغوط على ماكرون.

وامتدت الأزمة السياسية إلى الأسواق المالية، إذ ارتفعت عوائد السندات الحكومية لأعلى مستوياتها منذ أسابيع، وانخفض مؤشر “كاك 40” إلى أدنى مستوياته منذ مطلع العام، كما تراجع اليورو أمام الدولار. وتعكس هذه المؤشرات مخاوف جدية من اهتزاز الثقة في قدرة الحكومة الفرنسية على السيطرة على عجزها المالي الذي بلغ 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تجاوز الدين العام 113%، أحد أعلى المستويات في منطقة اليورو بعد اليونان وإيطاليا.

وسياسيًا، تواجه الرئاسة الفرنسية ضغوطًا متصاعدة من كل الاتجاهات. فقد طالبت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان بإجراء انتخابات مبكرة، معتبرة أن “هذه المهزلة يجب أن تنتهي”، بينما دعا اليسار الراديكالي بزعامة جان لوك ميلانشون إلى عزل ماكرون نفسه، في حين فضل الاشتراكيون حلًا وسطًا يتمثل في تعيين رئيس وزراء يساري بدلًا من الذهاب إلى صناديق الاقتراع.

سيناريوهات قاتمة 

ومع تضاؤل الخيارات أمامه، يجد ماكرون نفسه أمام ثلاثة مسارات لا تخلو من المخاطر: إما تعيين رئيس وزراء جديد، أو حل الجمعية الوطنية مجددًا، أو – وهو الاحتمال الأضعف – تقديم استقالته. ورغم أنه أكد مرارًا تمسكه بالبقاء حتى نهاية ولايته في 2027، إلا أن الواقع السياسي قد يجبره على قرارات غير متوقعة إذا فشلت محاولات “الاستقرار” الجديدة بحلول منتصف الأسبوع.

ويرى محللون أن استمرار هذا الجمود السياسي قد يجعل فرنسا “غير قابلة للحكم”، خاصة في ظل تآكل الأغلبية الوسطية التي اعتمد عليها ماكرون، وتزايد قوة الأطراف المتطرفة يمينًا ويسارًا. وباتت البلاد أمام لحظة مفصلية، فإما أن تنجح في إعادة بناء توافق سياسي يضمن تمرير الميزانية والإصلاحات الاقتصادية، أو تنزلق إلى انتخابات جديدة قد تعيد تشكيل المشهد الفرنسي جذريًا، وربما تمهد لصعود اليمين المتطرف إلى الحكم لأول مرة في تاريخ الجمهورية الخامسة.

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

كيف حصّن صندوق الاستثمارات العامة نفسه ضد تقلبات الاقتصاد؟