logo alelm
خطاب ترامب يتحوّل بشأن أوكرانيا

في تحوّل لافت ومفاجئ في مسار خطابه، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن أوكرانيا قادرة على استعادة جميع أراضيها التي تسيطر عليها روسيا، مشددًا على أن موسكو تواجه “أزمة اقتصادية كبيرة” تجعلها في أضعف حالاتها منذ بداية الحرب. وجاء هذا التحوّل جاء بعد أشهر قليلة من تصريحات سابقة دعت كييف إلى التفكير في التنازل عن بعض الأراضي من أجل تسريع المفاوضات، وهو ما أثار في حينه قلق القيادة الأوكرانية من احتمال وجود مساعٍ سرية للاعتراف بالأراضي المحتلة كأراضٍ روسية.

وتتزايد التساؤلات في الوقت الراهن حول الأسباب التي دفعت ترامب إلى تبديل خطابه بهذه الصورة، وما إذا كان سينعكس هذا التغيّر في السياسة الأمريكية العملية تجاه الحرب في أوكرانيا.

ولم يمر وقت طويل منذ أن رفض ترامب استقبال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض في فبراير الماضي، في حين قدّم الشهر الماضي استقبالًا استثنائيًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال القمة التي احتضنتها ألاسكا. وأوحت تلك الإشارات بأن واشنطن بقيادة ترامب تميل إلى تقليص دعمها العسكري والسياسي لكييف مقابل تسريع المفاوضات لإنهاء الحرب.

وكشفت التطورات الأخيرة عن نبرة جديدة مغايرة تمامًا؛ حيث تحدث ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم عبر منصته “تروث سوشيال”، بلقاءاته الثنائية مع زيلينسكي، بلهجة تتبنى إمكانية الانتصار الأوكراني لا مجرد البحث عن تسوية.

أسباب التحول في موقف ترامب

الواقع العسكري والاقتصادي.. أظهر المشهد الميداني أن روسيا تدفع ثمنًا فادحًا للحرب، سواء على صعيد الخسائر البشرية أو الأعباء المالية المتزايدة. وأقرّ ترامب نفسه بأن موسكو تواجه “مشكلة اقتصادية كبيرة”، وهي نقطة محورية في منطقه الجديد: إذا كانت روسيا تنهار اقتصاديًا، فإن أوكرانيا – بمساندة حلفائها – قادرة على قلب موازين القوة. لقد جعل صمود أوكرانيا المستمر ما كان يبدو مستحيلًا في السابق أمرًا واقعيًا، شرط أن يستمر الالتزام الغربي على المستويين المالي والعسكري.

الضغوط الأوروبية وحلف الناتو.. شكّلت زيارة عدد كبير من القادة الأوروبيين إلى واشنطن خلال الشهر الماضي عامل ضغط مباشر على ترامب. وكانت الرسالة الأوروبية واضحة: يجب التعامل بحذر مع بوتين وعدم تقديم تنازلات مجانية. كما أن زيادة المساعدات العسكرية والمالية الأوروبية لأوكرانيا أضعفت حجة ترامب التقليدية حول “تحمل واشنطن العبء وحدها”. فجأة، وجد الرئيس الأمريكي نفسه متناغمًا مع شركائه الأوروبيين، بل ذهب أبعد من ذلك حين أيد علنًا فكرة إسقاط الطائرات الروسية عند اختراقها لأجواء الناتو.

الحسابات السياسية الداخلية.. على الصعيد المحلي، تعرض ترامب لانتقادات من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على حد سواء بسبب سياسته “المهادنة” تجاه روسيا. وتبنّي موقف أشد صرامة ضد موسكو يمنحه مكاسب مزدوجة، فهو يعزز رصيده بين الجمهوريين المتشددين، ويستميل في الوقت نفسه المعتدلين الذين يرون في الدفاع عن أوكرانيا اختبارًا لمصداقية الولايات المتحدة كقوة عظمى.

ترامب والتكتيك التفاوضي

إلى جانب تلك العوامل، يظل أسلوب ترامب الشخصي في التفاوض عنصرًا أساسيًا. فالرجل معروف بتغيير مواقفه لكسب أوراق ضغط جديدة. وقد يكون حديثه السابق عن التنازلات الإقليمية مجرد وسيلة لدفع الطرفين إلى التفاوض. لكن مع تعنّت موسكو ورفضها تقديم أي إشارات للتسوية، وجد ترامب أن من الأجدى تعديل استراتيجيته والانتقال إلى خطاب داعم لانتصار أوكرانيا.

وفي نيويورك، وبعد لقائه بزيلينسكي، كتب ترامب أن “بوتين وروسيا في ورطة اقتصادية كبيرة، وهذا هو الوقت المناسب لأوكرانيا للتحرك”. وأكد أن كييف، بدعم الاتحاد الأوروبي، قادرة على استعادة جميع أراضيها، بما فيها شبه جزيرة القرم. ولكن الأمر لم يتوقف هنا، بل وصف روسيا بأنها “نمر من ورق”، مؤكّدًا أن الحرب فضحت ضعفها العسكري رغم ما تملكه من إمكانيات هائلة.

وكان الأكثر إثارة موقفه من خروقات الطائرات الروسية لأجواء الناتو؛ إذ قال علنًا إن على الحلف إسقاط أي طائرة روسية تخترق مجاله الجوي، وهو موقف يُدخل الحلف في مواجهة مباشرة محتملة مع موسكو. ولم يُخفِ زيلينسكي ارتياحه للتحول في خطاب ترامب، واصفًا إياه بأنه “تغيير كبير” و”مؤشر على تقارب غير مسبوق في المواقف”. وأضاف أن ترامب بات “عامل تغيير بحد ذاته”.

ولكن داخل الإدارة الأمريكية، بدت النبرة أكثر حذرًا. وزير الخارجية ماركو روبيو قال في مجلس الأمن الدولي إن “هذه الحرب ستنتهي على طاولة المفاوضات”، مؤكدًا أن واشنطن ما زالت متمسكة بخيار الحل السلمي رغم دعمها العسكري المستمر لأوكرانيا. ويصف النائب الديمقراطي السابق توم مالينوفسكي الأمر بأنه “انعطافة مذهلة بمقدار 180 درجة”، لكنه أضاف محذرًا: “قد لا تدوم طويلًا”. أما نائب السفير الروسي في الأمم المتحدة فقلّل من أهمية منشورات ترامب، قائلاً: “لا تتحمس كثيرًا لكل تغريدة”.

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

إنفوجرافيك| روبوتات الدردشة الذكية تلتهم الطاقة

المقالة التالية

إنفوجرافيك| عمالقة تعدين الذهب عالميًا