يعد الموقف الدبلوماسي الذي اتخذه الملك المؤسس الملك عبدالعزيز تجاه المنظمات الدولية في النصف الأول من القرن العشرين حجر الزاوية في فهم أسس السياسة الخارجية للسعودية.
ويبرز التاريخ مفارقة لافتة تمثلت في رفضه القاطع لانضمام المملكة إلى “عصبة الأمم” التي تأسست بعد الحرب العالمية الأولى، وقبوله الحاسم والمشاركة في تأسيس “هيئة الأمم المتحدة” بعد الحرب العالمية الثانية.
ويكشف هذا التباين في المواقف عن رؤية سياسية ثاقبة ومبادئ راسخة حكمت قرارات المؤسس في تعامله مع النظام الدولي المتغير.
ويعود قرار الرفض الأول إلى طبيعة “عصبة الأمم” نفسها، التي وُلدت من رحم اتفاقيات فرضت “نظام الانتداب” على عدد من البلدان العربية، وهو ما اعتبره الملك عبدالعزيز شكلاً مقنعًا من أشكال الاستعمار يتعارض مع مبدأ السيادة والاستقلال الكامل الذي ناضل من أجله، وقد كان موقفه رسالة واضحة بأن المملكة لن تكون جزءًا من منظمة تكرّس الهيمنة الأجنبية على أي أرض عربية، مفضلًا العزلة عن الانضمام إلى نظام دولي لا يحترم سيادة الأمم.
على النقيض تمامًا، جاءت المشاركة في تأسيس “هيئة الأمم المتحدة” عام 1945م، حيث كانت المملكة من بين الدول الخمسين الأولى التي وقّعت على ميثاقها في مؤتمر سان فرانسيسكو.
أدرك الملك عبدالعزيز أن العالم بعد الحرب العالمية الثانية يتجه نحو نظام دولي جديد، وأن المشاركة الفاعلة فيه منذ البداية تمنح المملكة مقعدًا على الساحة الدولية وتؤمن مصالحها، ولم يكن هذا القرار مجرد خطوة سياسية براغماتية، بل كان مبنيًا على أساس مبدئي متين.
وأوضح الأمير فيصل بن عبدالعزيز، الذي ترأس وفد المملكة آنذاك بتكليف من والده الملك عبدالعزيز، أن المبادئ التي يقوم عليها ميثاق الأمم المتحدة، مثل حفظ السلام والعدل والحق، تتوافق تمامًا مع تعاليم الدين الإسلامي السمحة التي تشكل دستور المملكة.
وبينما كانت “عصبة الأمم” تحمل في طياتها بذور الهيمنة، كانت “الأمم المتحدة” في نظرته تقدم ميثاقًا عالميًا للدفاع عن حرية الشعوب واستقلالها، وهو ما ينسجم مع الرؤية التي قامت عليها المملكة.
وبهذا، لم يغير الملك عبدالعزيز مبادئه، بل وجد أن الظرف الدولي قد تغير وأن المنظمة الجديدة تتبنى قيمًا يمكن الانضمام إليها والدفاع عنها، لذلك يُنظر إليه كقرار يعكس حكمة قائد يقرأ الواقع الدولي بعمق، ويربطه بمبادئ أمته الراسخة، ليؤسس بذلك لحضور سعودي فاعل ومؤثر في المشهد العالمي.