في خطوة تعكس تحوّلًا استراتيجيًا في السياسة الروسية، يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تعزيز نفوذ بلاده في أفريقيا عبر استبدال مجموعة فاغنر المثيرة للجدل بكيان جديد أكثر خضوعًا لسيطرة الدولة، هو فيلق أفريقيا، وجاء هذا التحول بعد سلسلة أزمات طالت فاغنر، أبرزها التمرد الفاشل في موسكو عام 2023 ومقتل زعيمها يفغيني بريغوجين.
ويقول محللون إن بوتين يهدف من خلال هذه الخطوة إلى إحكام السيطرة على العمليات العسكرية الروسية في القارة، مع التخلص من الصورة السلبية التي ارتبطت بفاغنر بسبب اتهامات بانتهاكات واسعة ضد المدنيين.
منذ عام 2018، لعبت فاغنر دورًا محوريًا في توسيع النفوذ الروسي في أفريقيا، خصوصًا في دول الساحل مثل مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، وقدمت خدمات عسكرية وحماية أمنية للحكومات المحلية، مقابل عقود لاستخراج الذهب والماس.
لكن الأزمات الداخلية التي ضربت المجموعة وتزايد الضغوط الدولية والعقوبات دفعت بوتين إلى إعادة النظر في النموذج القائم، ما أدى إلى إطلاق فيلق أفريقيا كبديل أكثر تنظيمًا وارتباطًا المباشر بالكرملين.
على عكس فاغنر، يخضع فيلق أفريقيا لإشراف وزارة الدفاع الروسية، ويتكون من عناصر نخبة في الجيش الروسي إلى جانب مقاتلين سابقين في فاغنر، وبدأ الفيلق بالفعل تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة مع الجيوش المحلية في مالي وبوركينا فاسو، ويُتوقع أن يمتد نشاطه إلى دول أخرى في القارة.
ويعكس هذا التحول رغبة بوتين في فرض هيكل عسكري منضبط يمكنه تحقيق أهداف موسكو الاستراتيجية، مع تقليل المخاطر القانونية والدبلوماسية التي كانت تواجهها فاغنر.
يرى الخبراء أن بوتين يسعى من خلال فيلق أفريقيا إلى:
وفي هذا السياق أكد المحلل الأمني هيني نصايبيا أن هذه الخطوة تمثل “إعادة تسمية استراتيجية” من قبل الكرملين، تسمح لبوتين بالحفاظ على النفوذ العسكري والاقتصادي نفسه تحت مظلة جديدة وأكثر رسمية.
رغم هذه التحولات، لا يزال الوجود الروسي مثار جدل واسع في أفريقيا، فقد واجهت فاغنر انتقادات شديدة من منظمات حقوق الإنسان، بينما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على قادة المجموعة بسبب اتهامات بارتكاب جرائم قتل وتعذيب في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى.
ومع انتقال الدور إلى فيلق أفريقيا، يرى مراقبون أن بوتين يحاول إضفاء طابع قانوني على التدخلات الروسية لتفادي العقوبات الجديدة، وفي الوقت نفسه تعزيز موقع موسكو كلاعب أساسي في الصراعات الإقليمية.
رغم الحضور العسكري الروسي، ما زال الوضع الأمني في منطقة الساحل هشًا للغاية، وتشير تقارير أممية إلى تزايد النشاط الإرهابي وتعقيد أساليبه، بما في ذلك استخدام الطائرات المسيّرة والتعاون مع شبكات الجريمة المنظمة.
ويحذر خبراء من أن أي فشل في تحقيق نتائج ملموسة سيؤدي إلى فقدان ثقة الحكومات المحلية في موسكو، ما قد يضعف خطة بوتين طويلة الأمد في القارة.
لا يقتصر اهتمام بوتين بأفريقيا على البعد الأمني فقط، بل يشمل أيضًا مصالح اقتصادية عميقة، فالموارد الطبيعية في دول مثل جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي تمثل مصدرًا مهمًا لدعم الاقتصاد الروسي، خاصة في ظل العقوبات الغربية المفروضة بعد غزو أوكرانيا.
كما يسعى الكرملين إلى توسيع نفوذه السياسي عبر بناء تحالفات جديدة مع أنظمة الحكم العسكرية في القارة، مستفيدًا من التوترات المتزايدة بين هذه الدول والغرب.
من المتوقع أن يشهد نشاط فيلق أفريقيا توسعًا كبيرًا خلال الأعوام المقبلة، مع زيادة التنسيق العسكري والاقتصادي مع أكثر من 40 دولة أفريقية، وفقًا لاتفاقيات أعلن عنها بوتين خلال قمة روسيا وأفريقيا عام 2023.
ويرى محللون أن هذه السياسة تمنح موسكو فرصة لتعزيز حضورها كلاعب عالمي في مواجهة النفوذ الغربي المتراجع في القارة، مع إمكانية استخدام هذه الشراكات كورقة ضغط في ملفات دولية أخرى.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
إيهود أولمرت يعلن الحرب على نتنياهو
إنفوجرافيك| أحرقت القرآن.. فالنتينا غوميز مرشحة الكراهية في أمريكا