في خطوة وُصفت بأنها تحول تاريخي في السياسة الخارجية، أعلنت ألمانيا تقليص دعمها العسكري لإسرائيل، استجابةً للكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، وجاء القرار بعد أشهر من الانتقادات المتصاعدة للأداء الإسرائيلي في القطاع، خاصة مع تزايد أعداد الضحايا المدنيين، وتفاقم أوضاع اللاجئين والجوعى في غزة.
ومن جانبه أكدت المستشار الألماني فريدريش ميرز، المعروف بمواقفه الداعمة لإسرائيل، أن التصعيد العسكري الإسرائيلي لن يحقق أهداف الحرب المعلنة، سواء القضاء على حركة حماس أو استعادة الرهائن.
جاءت تصريحات ميرز بعد فترة قصيرة من تعهده بدعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة ألمانيا، في تحدٍ لمذكرة التوقيف الصادرة بحقه عن المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن الأوضاع الميدانية في غزة والضغط الشعبي المتزايد جعلا هذا الدعم غير قابل للاستمرار دون مراجعة.
وقالت الباحثة مورييل أسبورغ من المعهد الألماني للشؤون الدولية إن “هذا أول إجراء ملموس تتخذه الحكومة الألمانية تجاه إسرائيل، وهو لا يمثل انسحابًا من دعمها التاريخي، بل إشارة تحذيرية جادة”.
عكست أحدث استطلاعات الرأي تحوّلًا واضحًا في المزاج العام الألماني، فوفقًا لاستطلاع مؤسسة ARD-DeutschlandTREND، يرى 66% من الألمان أن على حكومتهم الضغط على إسرائيل لتغيير سلوكها، وقد ارتفعت هذه النسبة بعد أن كانت 57% في أبريل الماضي، مما يعكس قلقًا متزايدًا لدى الشارع الألماني من استمرار المعاناة في غزة.
وعلى الرغم من المساعدات الإنسانية التي تسقطها ألمانيا جوًا على غزة، إلا أن 47% من الألمان يرون أن برلين لا تفعل ما يكفي للفلسطينيين، في حين لا يتفق 39% مع هذا الرأي.
لطالما اعتبرت ألمانيا دعم إسرائيل جزءًا لا يتجزأ من مسؤوليتها الأخلاقية بعد المحرقة النازية، لكن استطلاعًا للرأي أظهر أن 62% من الألمان لا يشعرون أنهم يتحملون “مسؤولية خاصة” تجاه إسرائيل بسبب الماضي، مقابل 31% فقط ما زالوا يرون أن هذا الواجب قائم.
وفي هذا السياق، برز خلاف داخل الائتلاف الحاكم، ففي حين يتمسك حزب ميرز بموقف أكثر حذرًا، يطالب الحزب الديمقراطي الاشتراكي بإجراءات أكثر حزماً، بما في ذلك مراجعة اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وإجلاء المصابين الفلسطينيين، وفرض عقوبات على بعض الوزراء الإسرائيليين.
الانقسام حول الموقف من إسرائيل امتد إلى الإعلام الألماني، فقد نشرت مجلة “دير شبيغل” مقالاً افتتاحيًا دانت فيه “تواطؤ الحكومة الألمانية” مع ما وصفته بانتهاك إسرائيل للقانون الدولي، ووضعت على غلافها صورة نساء من غزة يحملن أوعية فارغة تحت عنوان “جريمة”.
في المقابل، دافعت صحيفة “بيلد” عن إسرائيل، ونددت بما وصفته بازدواجية المعايير، مشيرة إلى غياب الغضب العالمي تجاه هجوم حماس في 7 أكتوبر الذي أشعل الحرب، واعتبرت أن ألمانيا تخلت عن حليفتها في ساعة الحاجة.
رغم خفض تصدير بعض الأسلحة، لا تزال العلاقات العسكرية بين ألمانيا وإسرائيل متشابكة، فألمانيا هي ثاني أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، لكنها أيضاً تستورد تقنيات عسكرية إسرائيلية ضمن خطة تطوير جيشها بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
مؤخرًا، أُعلن عن صفقة بقيمة 260 مليون دولار بين شركة “إيرباص” الألمانية وشركة “إلبيت سيستمز” الإسرائيلية لتزويد القوات الجوية الألمانية بأنظمة دفاع.
وفي هذا السياق صرّح فولكر بيك، رئيس الجمعية الألمانية الإسرائيلية، بأن “الغطرسة الألمانية” قد تكون ذات عواقب، وقال: “إذا قررت إسرائيل الرد بتقييد صادرات الأسلحة إلى ألمانيا، فسيكون مستقبل أمننا الجوي في خطر”.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
زيلينسكي يرفض قمة “ترامب وبوتين” ويعتبرها تهميشًا لأوكرانيا
50 مليون دولار.. مكافأة أمريكية للقبض على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو