بعد ستة أشهر من رئاسته التي وعد خلالها بإنهاء الحرب، يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وصل إلى نقطة تحول حاسمة في سياسته تجاه غزة. فمع انهيار الجولة الأخيرة من محادثات وقف إطلاق النار، وتصاعد الكارثة الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة، بدأت الإدارة الأمريكية تلمح إلى التخلي عن المسار الدبلوماسي، مما يثير تساؤلات مقلقة حول ما إذا كانت واشنطن تستعد لمنح إسرائيل تفويضًا مطلقًا لتصعيد عملياتها العسكرية في غزة.
وجاء هذا التحول المحتمل على لسان وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي أعرب عن إحباطه الشديد أمام عائلات الرهائن، مؤكدًا أن الإدارة بحاجة إلى “إعادة تفكير جدي” في استراتيجيتها. لكن الإشارة الأوضح جاءت من الرئيس ترامب نفسه، الذي صرح للصحفيين بأن حماس “تريد الموت”، وأنه قد حان الوقت “لإنهاء المهمة”، في تصريحات فُسرت على أنها ضوء أخضر محتمل لنتنياهو لاستخدام تدابير أكثر عنفًا في غزة.
منذ توليه منصبه، تبنى الرئيس ترامب استراتيجية تقوم على منح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حرية شبه كاملة في إدارة الحرب. ووفقًا لمسؤولين إسرائيليين، لم يمارس ترامب أي ضغط حقيقي على نتنياهو، بل كان يشجعه في كثير من الأحيان على اتخاذ مواقف أكثر تشددًا، مرددًا عبارة “افعل ما يجب عليك فعله في غزة”. وقد ترجم هذا الدعم عمليًا عبر تزويد إسرائيل بقنابل ضخمة تزن 2000 رطل، كان سلفه قد حجبها، مع التوقف عن أي انتقاد علني لمقتل المدنيين الفلسطينيين.
ورغم هذا الدعم غير المحدود، لم تتغير نتائج العمليات العسكرية الإسرائيلية بشكل كبير. فبعد ستة أشهر من رئاسة ترامب، لا تزال حركة حماس قائمة، بينما تم تدمير المزيد من قطاع غزة بشكل منهجي، وسقط آلاف الضحايا المدنيين، مما أثار تصدعات حتى داخل قاعدة ترامب الانتخابية بسبب الصور المروعة للمجاعة.
كشفت كواليس المفاوضات عن لعبة سياسية معقدة. فقد أشار الوزير روبيو إلى أنه والرئيس ترامب لم يكونا مرتاحين أبدًا للنهج التدريجي في صفقات الرهائن (هدنات قصيرة مقابل إطلاق سراح أعداد محدودة)، وهو النهج الذي فضله نتنياهو لأسباب سياسية داخلية، لأنه لم يكن يجبره على الالتزام بإنهاء الحرب بشكل كامل. ورغم هذه التحفظات، سارت إدارة ترامب مع هذا المسار، الذي فشل في تحقيق أي تقدم يذكر، باستثناء صفقة يتيمة نجح فيها ترامب بتجاوز نتنياهو مباشرة لتأمين إطلاق سراح رهينة أمريكي. ويدفع الفشل المتكرر الإدارة الآن للبحث عن نهج “أكثر شمولية” لإنهاء الحرب في غزة.
تتزامن هذه التطورات السياسية مع وصول الوضع الإنساني في غزة إلى أسوأ حالاته منذ بدء الحرب. فقد وثقت وزارة الصحة وفاة 122 فلسطينيًا بسبب الجوع في الأسابيع الأخيرة، بينما يقترب إجمالي عدد القتلى من 60 ألفًا. وحتى المبادرات التي أيدها ترامب، مثل مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) كبديل للأمم المتحدة، لم تنجح في تخفيف الأزمة بشكل فعال، بل شهدت مقتل مئات الفلسطينيين أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات.
وأدى هذا الوضع الكارثي إلى عزلة دولية متزايدة لواشنطن وتل أبيب. ففي بيان مشترك، أعربت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة عن استيائها الشديد، مؤكدة أن “حجب المساعدات الإنسانية الأساسية عن السكان المدنيين أمر غير مقبول”. إن سياسة ترامب تجاه غزة لم تفشل فقط في تحقيق أهدافها العسكرية، بل وضعت الولايات المتحدة في مواجهة مع أقرب حلفائها.