أقرت المملكة العربية السعودية تحولًا تنظيميًا كبيرًا في قطاعها العقاري، وذلك بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 42 بتاريخ 1447/1/13هـ، الذي أرسى قواعد نظام تملك غير السعوديين للعقار الجديد. يمثل هذا التشريع، الذي يبدأ تطبيقه في يناير 2026، نقلة نوعية تهدف إلى تعزيز الشفافية وجذب الاستثمارات النوعية، مع الحفاظ على التوازن الاستراتيجي للسوق، ويأتي نظام تملك غير السعوديين للعقار كإطار عمل متكامل يحل محل التشريعات السابقة بتنظيم أكثر شمولية.
في جوهره، يستند نظام تملك غير السعوديين للعقار على خمسة مبادئ أساسية تشكل فلسفته التنظيمية وهم:
أولًا، مبدأ السيادة الوطنية.. الذي يمنح الدولة الحق الكامل في تحديد النطاقات الجغرافية المتاحة للتملك وأنواع الحقوق العينية ونسب الملكية، لضمان توافق الاستثمارات مع الأهداف التنموية والعمرانية للمملكة.
ثانيًا، الشفافية.. عبر إلزامية التسجيل في السجل العقاري وتوحيد الإجراءات عبر منصة رقمية.
ثالثًا، أولوية المواطن.. حيث يضبط النظام عمليات التملك لغير السعوديين بما يحافظ على استقرار السوق ويضمن الأولوية للمواطن.
رابعًا، حفظ الحقوق.. من خلال توثيق الملكيات وتحديد آليات واضحة للتصرفات العقارية للحد من النزاعات.
خامسًا، الحوكمة.. عبر تفعيل الرقابة وتحديد المسؤوليات لضمان عدالة التطبيق.
يُحدث نظام تملك غير السعوديين للعقار الجديد فرقًا جوهريًا عن سابقه عبر توسيع دائرة الفئات المسموح لها بالتملك بشكل كبير. فلم يعد الأمر مقتصرًا على المقيمين أو المستثمرين لأغراض محددة، بل أصبح يشمل الأفراد غير السعوديين سواء كانوا مقيمين أم غير مقيمين، والشركات غير السعودية سواء كانت داخل المملكة أم خارجها، بالإضافة إلى الكيانات الأجنبية غير الربحية.
كما يفتح نظام تملك غير السعوديين للعقار الباب أمام الشركات السعودية التي يشترك في ملكيتها أجانب، وكذلك الصناديق والمنشآت ذات الأغراض الخاصة. ويمتد هذا التوسع ليشمل أنواع العقارات نفسها، فبعد أن كان التملك محصورًا في السابق بغرض السكن الخاص أو مزاولة نشاط استثماري معين، أصبح النظام المحدث يتيح التملك في جميع أنواع العقارات دون استثناء.
لتحقيق التوازن بين الانفتاح الاستثماري والحفاظ على الخصوصية الاستراتيجية، يعتمد نظام تملك غير السعوديين للعقار على آلية تنظيم جغرافي دقيقة. سيتم تنظيم عمليات التملك من خلال “وثيقة النطاقات الجغرافية” التي سيقرها مجلس الوزراء، وهي وثيقة تفصيلية تتضمن خرائط للمواقع المسموح بالتملك فيها بكافة مناطق المملكة، مع تحديد نسب الملكية المتاحة وأنواع الحقوق العينية ومدد الانتفاع.
وفيما يخص المدن الكبرى كالرياض وجدة، سيكون التملك متاحًا ضمن مناطق محددة ووفق منهجية مدروسة تضمن عدم التأثير على التوازن العقاري فيهما. أما بالنسبة لمكة المكرمة والمدينة المنورة، فقد وضع نظام تملك غير السعوديين للعقار ضوابط خاصة، حيث يقتصر حق التملك والانتفاع فيهما على الأفراد المسلمين والشركات السعودية فقط، وضمن نطاقات جغرافية سيتم تحديدها لاحقًا في الوثيقة.
يربط نظام تملك غير السعوديين للعقار بشكل إلزامي بين التملك والتسجيل في السجل العقاري، مع فرض رسوم على التصرفات العقارية قد تصل إلى 10%. ولضمان الالتزام، نص النظام على عقوبات تشمل الإنذار أو فرض غرامات مالية قد تصل إلى 10 ملايين ريال على المخالفين أو من يقدمون بيانات مضللة.
ومن المهم الإشارة إلى أن التشريع الجديد لا يمنح حقوقاً إضافية تتجاوز حق الملكية نفسه، ولا يتعارض مع الأنظمة الأخرى القائمة مثل نظام الإقامة المميزة أو تنظيم تملك مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، كما أنه يحفظ جميع الحقوق التي تم اكتسابها في ظل النظام السابق.