في تطور دراماتيكي يمكن أن يعيد تشكيل المشهد النووي في الشرق الأوسط، اتفقت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى على وضع مهلة نهائية لإيران تنتهي في أواخر أغسطس للتوصل إلى الاتفاق النووي الجديد، وإلا ستواجه عقوبات دولية قاسية قد تشل اقتصادها تماماً.
خلال مكالمة هاتفية حاسمة يوم الاثنين، اتفق وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو مع نظرائه في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة على تفعيل آلية “العقوبات الارتدادية” (snapback) في حال فشل المفاوضات.
هذه الآلية، المصممة كسيف مسلط على رقبة إيران، ستعيد فرض جميع عقوبات مجلس الأمن الدولي التي رُفعت بموجب اتفاق 2015 النووي.
التوقيت ليس مصادفة. القوى الأوروبية تريد إنهاء عملية تفعيل العقوبات قبل أن تتولى روسيا رئاسة مجلس الأمن الدولي في أكتوبر، في خطوة تهدف لتجنب الفيتو الروسي المحتمل.
آلية “العقوبات الارتدادية” نفسها ستنتهي صلاحيتها في أكتوبر، مما يجعل الأشهر القادمة حاسمة بشكل استثنائي.
المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون يرون في هذه الآلية سلاحاً ذا حدين: أداة ضغط تفاوضية لإجبار طهران على التنازل، وخطة احتياطية في حال فشلت الدبلوماسية تماماً.
لكن إيران ترد بقوة، مهددة بالانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية إذا أُعيدت العقوبات، في تصعيد قد يفجر النظام النووي العالمي بأكمله.
تخطط القوى الأوروبية لمواجهة إيران برسالة واضحة في الأسابيع القادمة: يمكن تجنب العقوبات الارتدادية مقابل خطوات ملموسة لطمأنة العالم حول البرنامج النووي الإيراني.
هذه الخطوات تشمل: استئناف مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي علقتها إيران عقب الضربات الأمريكية والإسرائيلية على منشآتها النووية. إلى جانب إزالة حوالي 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% من المواقع النووية الإيرانية – وهي كمية قريبة بشكل خطير من المستوى المطلوب لصنع الأسلحة النووية.
وراء الكواليس، لعبت إسرائيل دوراً محورياً في تشكيل هذا الموقف الأمريكي الأوروبي المتشدد.
خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للبيت الأبيض الأسبوع الماضي، أثار الموضوع مع الرئيس ترامب ووزير الخارجية روبيو والمبعوث الأبيض ستيف ويتكوف.
نتنياهو طلب من ترامب عدم عرقلة العقوبات الارتدادية، وأخبر ويتكوف أن الولايات المتحدة يجب أن توضح للإيرانيين أن الوقت ينفد إذا أرادوا التوصل لاتفاق وتجنب إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة. وقال مسؤول إسرائيلي: “شعرنا أن ترامب وفريقه وافقوا معنا”.
من جانبها، ترفض إيران بشدة هذه التهديدات، معتبرة إياها انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وخرقاً للاتفاقيات الموقعة.
طهران تتهم الأوروبيين بالنفاق وعدم الالتزام بتعهداتهم، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة هي من انسحبت أولاً من الاتفاق النووي عام 2018 تحت إدارة ترامب الأولى.
المسؤولون الإيرانيون يحذرون من أن إعادة فرض العقوبات ستدفع بلادهم إلى تطوير قدراتها النووية بشكل أكبر، بما في ذلك إمكانية الانسحاب الكامل من معاهدة منع الانتشار النووي. هذا التهديد، إذا نُفذ، قد يفتح الباب أمام سباق تسلح نووي في منطقة الشرق الأوسط الأكثر اضطراباً في العالم.
رغم هذا التصعيد، تشير التقارير إلى استمرار الجهود الدبلوماسية خلف الكواليس. محادثات سرية في إسطنبول وعواصم أخرى تحاول إيجاد صيغة توفيقية تنقذ العملية الدبلوماسية من الانهيار الكامل.
هذه المحادثات تركز على إيجاد خطة مرحلية تتضمن تقليل إيران لأنشطتها النووية الحساسة مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات.
لكن الزمن يداهم المفاوضين. مع اقتراب نهاية أغسطس، والضغوط الداخلية المتزايدة في جميع الأطراف، يبدو أن المنطقة تقف على حافة تطور كبير قد يعيد تشكيل خريطة القوة النووية عالمياً.
فشل المفاوضات وتفعيل العقوبات الارتدادية لن يؤثر على إيران فحسب، بل سيرسل موجات صدمة عبر المنطقة والعالم.
الحلفاء الإيرانيون في العراق وسوريا ولبنان قد يواجهون ضغوطاً اقتصادية إضافية، بينما أسواق الطاقة العالمية تترقب بقلق تطورات قد تؤثر على إمدادات النفط من الخليج.
من ناحية أخرى، النجاح في التوصل لاتفاق جديد قد يفتح صفحة جديدة في العلاقات الإيرانية الغربية، ويوفر نموذجاً لحل النزاعات النووية في مناطق أخرى من العالم.