تعتزم إدارة الرئيس ترامب، حذف هيئة تحرير الشام أو ما تُعرف بـ “جبهة النصرة” من قائمة المنظمات الإرهابية، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية عن مذكرة تم تداولها، اليوم الإثنين، ومن المقرر الإعلان بشكل رسمي عن القرار غدًا الثلاثاء.
وتأتي هذه الخطوة الأمريكية المرتقبة في سياق دبلوماسي متسارع، شمل زيارة وزير الخارجية البريطاني إلى دمشق ورفع العقوبات، مما يشير إلى بداية مرحلة جديدة من التعامل الدولي مع القيادة السورية الجديدة والتي ولدت من رحم جماعة كانت حتى وقت قريب على قوائم الإرهاب العالمية.
نشأت النواة الأولى للجماعة في خضم الفوضى التي أعقبت الانتفاضة الشعبية في سوريا عام 2011، وحملت في ذلك الوقت اسم جبهة النصرة. وسرعان ما أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة، لتصبح فرعها الرسمي في البلاد. في تلك المرحلة، كانت أيديولوجية جبهة النصرة تتماشى بشكل كامل مع فكر الجهاد العالمي، الذي يهدف إلى إقامة حكم إسلامي صارم. وقد اكتسبت سمعة كبيرة بفضل فعاليتها القتالية العالية وتنظيمها الدقيق مقارنة ببقية فصائل المعارضة، مما مكنها من تحقيق انتصارات ميدانية هامة.
ولا يمكن فصل نشأة هيئة تحرير الشام عن قصة زعيمها، أحمد الشرع، المعروف لسنوات طويلة باسمه الحركي “أبو محمد الجولاني” والذي تعود جذوره إلى ساحات القتال في العراق، حيث كان مشاركًا سابقًا في التمرد ضد القوات الأمريكية، وعضوًا في الجماعة التي انبثق عنها لاحقًا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). هذه الخلفية الجهادية العميقة هي التي طبعت سنواته الأولى كقائد لفرع تنظيم القاعدة في سوريا، وهي نقطة انطلاق أساسية لفهم التحولات التي قادها لاحقًا.
في تحول استراتيجي محوري عام 2016، أعلنت قيادة جبهة النصرة بشكل علني قطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة، وغيرت اسمها إلى “جبهة فتح الشام”. جاء هذا القرار نتيجة دوافع سياسية، حيث أدرك قادة الجماعة أن ارتباطهم بالقاعدة يحد من جاذبيتهم المحلية ويجعلهم هدفًا مباشرًا للتحالفات الدولية المناهضة للإرهاب. كانت هذه الخطوة هي الأولى في مسار طويل يهدف إلى تقديم الجماعة كقوة سورية وطنية بدلاً من كونها جزءًا من شبكة جهادية عالمية.
وفي العام التالي، 2017، اكتمل هذا التحول باندماجها مع فصائل أخرى لتشكيل الكيان الجديد المعروف اليوم باسم هيئة تحرير الشام. وقد صاحَب هذا التغيير تحولٌ في الخطاب، حيث بدأت الجماعة بالتركيز على قضايا سورية محلية مثل الحكم والإدارة والخدمات، في محاولة للاندماج بشكل أعمق في النسيج الثوري السوري وبناء قاعدة دعم شعبية، مبتعدة بذلك عن خطاب جبهة النصرة السابق.
وعلى مدى السنوات التي تلت تأسيسها، أصبحت هيئة تحرير الشام القوة المهيمنة في محافظة إدلب، آخر معاقل المعارضة. خلال تلك الفترة، عملت ككيان شبه حكومي، حيث تولت توفير الخدمات المدنية والإشراف على الشؤون المحلية. ورغم أن هذه الفترة ارتبطت بتقارير عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، شملت عمليات إعدام لأشخاص اتُهموا بالانتماء لجماعات منافسة أو بتهم أخرى، إلا أنها أظهرت قدرة الجماعة على ممارسة شكل من أشكال الحكم والإدارة. وفي محاولة لتحسين صورتها، كثفت هيئة تحرير الشام من جهودها في العلاقات العامة، وتواصلت مع وسائل إعلام دولية ومنظمات إنسانية، لتصوير نفسها كقوة مسؤولة.
في نوفمبر 2024، شنت هيئة تحرير الشام وحلفاؤها هجومًا عسكريًا مفاجئًا أدى إلى سقوط نظام الأسد في غضون أسابيع. وقد تزامن هذا الهجوم مع ضعف غير مسبوق للنظام، وانشغال حلفائه الرئيسيين، روسيا وإيران، بحروبهم في أوكرانيا ومع إسرائيل. هذا التراجع في الدعم الخارجي للنظام، بالإضافة إلى تراجع قدرات حزب الله والقوات الإيرانية في سوريا نتيجة الضربات الإسرائيلية، قد رجح كفة الميزان العسكري لصالح المعارضة. وفي المقابل، كانت هيئة تحرير الشام قد عززت من قدراتها العسكرية، وأعادت تنظيم قواتها بشكل أكثر احترافية، وأنشأت أكاديمية عسكرية وقوات متخصصة، مما مكنها من تحقيق تقدم سريع والسيطرة على البلاد.