يكشف تحليل حديث لخريطة الفقر العالمي في عام 2025 عن تباينات اقتصادية واسعة بين دول العالم وتؤطر قائمة أكثر الدول فقرًا، وذلك باستخدام معيار نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي كمؤشر رئيسي. يقدم هذا المعيار، الذي يتم الحصول عليه بقسمة إجمالي الناتج الاقتصادي للدولة على عدد سكانها، صورة عن متوسط الثروة المتولدة لكل فرد، مما يسمح بمقارنة الدول بغض النظر عن حجم اقتصاداتها الكلية.
تتصدر جمهورية جنوب السودان قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم لعام 2025، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيها 251 دولارًا أمريكيًا فقط. يعكس هذا الرقم التحديات الاقتصادية الهائلة التي يواجهها هذا البلد في سبيل تحقيق التنمية والرخاء لمواطنيه.
من الملاحظات اللافتة للانتباه في هذا التحليل ظهور الهند، رابع أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي الإجمالي، في المرتبة الخمسين ضمن قائمة أكثر الدول فقرًا بنصيب للفرد يبلغ 2,878 دولارًا أمريكيًا. تجسد هذه الحالة مفارقة هامة حول كيفية قياس الثروة والتنمية الاقتصادية، حيث أن ضخامة الاقتصاد الكلي للدولة لا تعني بالضرورة ارتفاع مستوى معيشة جميع أفراد المجتمع.
يعتبر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مؤشرًا مفيدًا لتقييم متوسط الإنتاجية الاقتصادية على مستوى الفرد في الدولة. ومع ذلك، من الضروري الأخذ في الاعتبار بعض القيود عند الاعتماد على هذا المعيار وحده، فهو لا يعكس بالضرورة تكلفة المعيشة المحلية، أو أسعار صرف العملات، أو مدى عدالة توزيع الثروة داخل الدولة. كما أن هناك نقاشًا أوسع حول ما إذا كان الناتج الاقتصادي يمثل مقياسًا كافيًا للثروة الحقيقية ورفاهية الأفراد.
تشير البيانات إلى أن معظم الدول التي تحتل المراتب الأولى في قائمة الدول الأكثر فقرًا تقع في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بالإضافة إلى عدد قليل من الدول في جنوب آسيا ومنطقة المحيط الهادئ. تستمر هذه المناطق في مواجهة تحديات اقتصادية ناجمة عن عوامل متعددة مثل النزاعات المزمنة، وضعف المؤسسات، وقواعد صناعية محدودة، مما يعيق نمو الدخول ويؤثر سلبًا على مستوى معيشة السكان.
يُلاحظ أيضًا وجود بعض الدول الجزرية الصغيرة في المحيط الهادئ ضمن قائمة الدول الأكثر فقرًا، مما يمثل تحديات اقتصادية فريدة لهذه الاقتصادات الصغيرة والمعزولة التي تعاني من محدودية فرص التنويع الاقتصادي. يقف هذا الوضع على النقيض من بعض الدول الجزرية الصغيرة الأخرى، خاصة في منطقة البحر الكاريبي، التي تعتبر من بين أغنى المناطق في العالم، ويعود ذلك جزئيًا إلى العلاقات الاستعمارية التاريخية التي وفرت لها مزايا مؤسسية.
تؤكد هذه النتائج على التحديات الكبيرة التي تواجه العديد من دول العالم في سعيها نحو تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وتحسين مستوى معيشة مواطنيها. وعلى الرغم من التعافي الاقتصادي العالمي بعد جائحة كوفيد-19، لا تزال هذه الدول تعاني من قيود هيكلية وعوامل خارجية تعيق تقدمها الاقتصادي. يبقى التركيز على بناء مؤسسات قوية، وتعزيز الاستقرار، وتنويع الاقتصادات خطوات حاسمة نحو تحقيق مستقبل أفضل لهذه الدول وسكانها.