أظهرت دراسة حديثة، أن قلة النوم تُحدث اضطرابات واضحة في آليات عمل الدماغ، ما يفسّر صعوبة التركيز بعد ليلة سهر طويلة . يقوم الدماغ أثناء الغفوة القصيرة بعد الإرهاق بضخ السائل الدماغي الشوكي (CSF) خارج الدماغ والحبل الشوكي ضمن عملية تهدف للتخلص من الفضلات العصبية، قبل أن يعود السائل مجددًا عند الاستيقاظ.
تأثير قلة النوم على الدماغ
كما كشفت نتائج الدراسة، التي نُشرت في مجلة Nature Neuroscience ، عن تغيّرات كبيرة ترافق ضعف الانتباه، شملت تدفّق الدم داخل الدماغ وحجم حدقة العين، وهي استجابات فسيولوجية لم يكن معروفًا سابقًا أنها تحدث بالتزامن خلال فترات تعافي الدماغ من الإرهاق.
قالت لورا لويس، المؤلفة المشاركة في الدراسة والأستاذة المساعدة في علم الأعصاب بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن الفريق البحثي تمكّن، عبر قياس عدة مؤشرات دماغية في الوقت نفسه، من اكتشاف أن الاستجابات التي كانت تُعتبر منفصلة تعمل في الواقع بشكل متزامن.
ووفقًا لموقع ” livescience” يؤكد الباحثون أن النوم يلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على صحة الدماغ، إذ يوصي الخبراء البالغين بالنوم ما بين سبع إلى تسع ساعات يوميًا لضمان أداء ذهني وجسدي سليم. وتشير الأدلة إلى أن نقص النوم ينعكس سلبًا على الصحة العامة ويضعف القدرة على التركيز والانتباه. و كتب الباحثون: “مع ذلك، فإن الأساس العصبي لضعف الانتباه الناتج عن قلة النوم لم يُفهم جيدًا بعد.”
ولفحص تأثير قلة النوم على الدماغ، أجرى الباحثون تجربة شملت 26 متطوعًا أصحاء تراوحت أعمارهم بين 19 و40 عامًا، بينهم 19 امرأة. وخضع المشاركون لجلستين تفصل بينهما نحو عشرة أيام: جلسة نوم طبيعي بعد استراحة جيدة، وأخرى جلسة حرمان من النوم.
في الجلسة المخصّصة للنوم الجيد، نام المشاركون بين 6.5 و9 ساعات في منازلهم، بينما بقي المشاركون في جلسة الحرمان من النوم مستيقظين طوال الليل داخل المختبر تحت إشراف الفريق البحثي.
وفي صباح كل جلسة، ثبّت الباحثون أغطية تخطيط كهربية الدماغ (EEG) على رؤوس المشاركين لرصد نشاط الدماغ عبر الأقطاب الكهربائية. وفي الوقت نفسه، خضع المتطوعون لتصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لرصد تدفق الدم والسائل الدماغي الشوكي داخل الدماغ. كما استخدم الفريق أجهزة تتبع حركة العين لقياس التغيرات في حجم حدقة العين خلال التجربة.
بعد ذلك، نفّذ المشاركون مهامًا تتطلب انتباهًا بصريًا وسمعيًا، حيث ضغطوا على زر فور رؤية صورة أو سماع صوت، لقياس سرعة الاستجابة والانتباه. كما جمع الباحثون بيانات عن نشاط الدماغ الأساسي عبر جلسة استراحة مدتها 25 دقيقة، خلالها لم يُطلب من المشاركين أداء أي مهام، ما أتاح دراسة النشاط العصبي في حالة الراحة.
أظهر المشاركون الذين حُرموا من النوم بطئًا أكبر في الاستجابة للمنبهات وتجاهلوا الإشارات أكثر مقارنة بحالتهم بعد النوم الكافي، إلا أن الفريق فوجئ برصد نبضات كبيرة في السائل الدماغي الشوكي لدى الأفراد المنهكين، إلى جانب أنماط من موجات الدماغ البطيئة، وهي ظواهر عادةً ما تُرى أثناء النوم غير المرتبط بحركة العين السريعة.
وعلى وجه التحديد، تشبه هذه الأنماط ما يُرى عند انتقال الشخص من المرحلة N1 إلى N2، أول مرحلتين من مراحل النوم غير المرتبط بحركة العين السريعة (NREM) التي يمر بها الفرد في كل دورة نوم. وقالت لورا لويس: “كان هذا شيئًا لم نشهده سابقًا بهذا الحجم إلا أثناء النوم”.
ماذا يحدث لدماغك عند الشعور بالإرهاق؟
وأظهرت النتائج أن تدفق السائل الدماغي الشوكي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحجم حدقة العين، حيث يحدث التدفق الداخلي الكبير بعد اتساع الحدقة، بينما يتزامن التدفق الخارجي مع انقباضها. وكان هذا الارتباط أكثر وضوحًا لدى المشاركين المحرومين من النوم، مما يوحي بأن الجهاز الدوري للجسم قد يلعب دورًا في دعم هذا التنسيق، وفقًا للباحثين. كما لوحظ أن تدفق السائل الدماغي الشوكي يتزامن مع أوقات تركيز المشاركين على المهام.
قال زينونج يانج، المؤلف الأول للدراسة وعالم الأعصاب الحاسوبية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، لموقع لايف ساينس: “عندما تعاني من فشل الانتباه، يتم طرد هذا السائل من دماغك، وعندما تستعيد انتباهك وتبدأ في الاستجابة للمحفزات مرة أخرى، يتدفق هذا السائل مجددًا إلى الدماغ”.
وأضافت لورا لويس: “هذه أشياء لا نفكر فيها عادة على أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالوقت — قدرتك على الانتباه إلى العالم ثم الحركة السائلة الأساسية في الدماغ”. ويعتقد الباحثون أن الأنماط الدماغية التي رصدوها قد تعكس تحول الدماغ المحروم من النوم إلى حالة شبيهة بالنوم أثناء اليقظة. وتشير فترات الانتباه إلى بداية هذه العمليات الدماغية الشبيهة بالنوم، لكنها تتوقف قبل دخول الشخص في النوم الطبيعي.
ومع ذلك، لم يتضح حتى الآن السبب الوظيفي لهذه التغيرات الكبيرة في تدفق الدم، وفق ما أكدت لورا لويس. وأشار الباحثون إلى أن الأبحاث المستقبلية قد تركز على دراسة ما إذا كانت هذه الأنماط الدماغية تؤثر على التخلص من المخلفات الأيضية السامة داخل الدماغ، وكيفية حدوث هذا التأثير.
قال مايكل تشي، مدير مركز النوم والإدراك بالجامعة الوطنية في سنغافورة، والذي لم يشارك في الدراسة، إن البحث يمثل “عملًا فيزيولوجيًا مبهرًا”. وأضاف أن الجهاز العصبي اللاإرادي، المسؤول عن تنظيم وظائف الجسم غير الواعية، هو الذي يقف وراء هذه الإشارات الدماغية.
وفي تصريح لموقع لايف ساينس، قال تشي: “أعتقد أن الدرس الكبير هو أن هذا النظام اللاإرادي المتواضع، الذي لا ننتبه إليه عادة، هو في الواقع ما ينظم بعض أكبر التغيرات في الإشارات، مثل تغييرات حدقة العين، وإشارات تخطيط كهربية الدماغ، وإشارات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي.”
ومع ذلك، أشار تشي إلى أن المشاركين خضعوا لـ حرمان من النوم لمدة 24 ساعة كاملة، بينما يفقد معظم الناس عادةً بضع ساعات فقط في ليلة سيئة، موضحًا: “هذا تلاعب كبير، لذا فالتأثيرات الملاحظة هائلة.”
وأضاف أن دراسة هذه التغيرات في الدماغ لدى الأشخاص الذين يعانون من مشاكل النوم المزمنة قد تفتح الباب أمام أهداف علاجية جديدة.
اقرأ أيضًا :
نظام الكيتو الغذائي.. فوائد مؤقتة ومخاطر خفية !












