لماذا ترتفع معدلات السكتة الدماغية بين النساء مقارنة بالرجال؟

نوفمبر ١٤, ٢٠٢٥

شارك المقال

لماذا ترتفع معدلات السكتة الدماغية بين النساء مقارنة بالرجال؟

تُعد السكتة الدماغية من أبرز أسباب الإعاقة حول العالم، فهي تُخلّف تبعات صحية واجتماعية واقتصادية ترافق المرضى وعائلاتهم لفترات طويلة. ولم تعد هذه الحالة المرضية مقتصرة على الفئات الأكبر سنًا؛ إذ بات من الممكن أن تصيب الأشخاص في مقتبل العمر، مما يؤثر في قدراتهم المهنية ومسار حياتهم وصحتهم المستقبلية.

وفي الولايات المتحدة وحدها، تُسجَّل سنويًا إصابة ما يقرب من 55 ألف امرأة أكثر من الرجال بالسكتة الدماغية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن النساء يعشن فترة أطول. لكن ما يثير القلق أن النساء غالبًا ما يحصلن على نتائج أسوأ وجودة حياة أقل بعد الإصابة. وعلى مستوى العالم، تُعد السكتة الدماغية أكثر شيوعًا لدى النساء مقارنة بالرجال في الفئة العمرية دون 25 عامًا.

أسباب ارتفاع معدلات السكتة الدماغية بين النساء

يُشكِّل الجهاز التناسلي للمرأة، والتغيرات الهرمونية عبر سنوات الخصوبة، جزءًا كبيرًا من العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة. ويُعد ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل من أبرز المخاطر، إذ تشمل هذه الفئة حالات مثل ارتفاع ضغط الدم الحملي وتسمم الحمل، حيث يظهر الأخير عادة بعد الأسبوع العشرين من الحمل، ويرتبط بارتفاع الضغط وتلف أعضاء حيوية كالكلى والكبد. وتترك هذه المشكلات أثرًا طويل الأمد على الأوعية الدموية، مما يرفع خطر حدوث السكتة سواء أثناء الحمل أو لاحقًا.

كما تؤثر وسائل منع الحمل الهرمونية – وخاصة الحبوب المركّبة المحتوية على الإستروجين والبروجسترون – في ارتفاع احتمالية الإصابة بالسكتة الدماغية. وتزداد المخاطر لدى النساء المدخنات، أو اللواتي تجاوزن الخامسة والثلاثين، أو المصابات بالصداع النصفي. في المقابل، لا تُظهر الوسائل المعتمدة على البروجسترون فقط التأثير نفسه. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو 248 مليون امرأة حول العالم يستخدمن موانع الحمل الهرمونية.

ويبرز انقطاع الطمث كعامل جوهري آخر، إذ تنخفض خلاله مستويات الإستروجين، وهو هرمون يلعب دورًا مهمًا في مرونة الأوعية الدموية وضبط مستويات الكوليسترول. ومع تراجع هذا الهرمون، تصبح الشرايين أكثر عرضة للتصلب والتلف، ما يزيد من احتمالية الإصابة بالسكتة الدماغية. وقد وُجد أن بعض أشكال العلاج الهرموني المستخدَم لتخفيف أعراض انقطاع الطمث—خصوصًا تلك المحتوية على الإستروجين—ترتبط بزيادة بسيطة في خطر السكتة، خاصة عند البدء بالعلاج في سن متقدمة.

وتُعد النساء أيضًا أكثر عرضة للصداع النصفي، ولا سيما المصحوب بأعراض بصرية أو حسية (الهالة)، وهو ما يرتبط باضطرابات عابرة في تدفق الدم إلى الدماغ، ما يرفع خطر السكتة. كذلك تنتشر أمراض المناعة الذاتية بين النساء بمعدلات أعلى، مثل الذئبة والتهاب المفاصل الروماتويدي، وهي حالات تتسبب في التهابات مزمنة تُضعف الأوعية الدموية وتزيد احتمال انسدادها أو تمزقها.

وتدعم العديد من الدراسات هذا التشابك بين العوامل الهرمونية والتناسلية والمناعية كأسباب إضافية تُفسر ارتفاع معدلات السكتة الدماغية لدى النساء.

السكتة الدماغية خلال الحمل وفترة ما بعد الولادة

يمثل الحمل مرحلة تُجهَد فيها الدورة الدموية بشدة؛ إذ يزداد حجم الدم في الجسم وتتغير تركيبة الهرمونات، ويُصبح الدم أكثر ميلاً للتجلط. ونتيجة لهذه التغيرات، ترتفع احتمالية إصابة المرأة بالسكتة الدماغية خلال الحمل أو بعد الولادة بثلاثة أضعاف مقارنة بغير الحوامل في العمر نفسه. وقد سجّلت الجمعية الأمريكية للقلب والسكتة الدماغية أدلة واضحة على هذه الزيادة. كما تُعد السكتة أحد أبرز الأسباب المؤدية لاعتلال صحة الأمهات ووفاتهن.

وتظهر فروقات ملحوظة بين الفئات السكانية. ففي إنجلترا، على سبيل المثال، ترتفع نسبة وفيات النساء السود لأسباب متعلقة بالحمل إلى نحو أربعة أضعاف مقارنة بالنساء البيض، كما تواجه النساء الآسيويات والنساء من أصول عرقية مختلطة خطرًا أكبر، وفق ما جاء في تقرير MBRRACE UK المتخصص بمراقبة جودة خدمات الأمومة.

وفي الولايات المتحدة، تُفيد البيانات بأن النساء من ذوات البشرة السوداء معرضات للوفاة المرتبطة بالحمل بمعدل يصل إلى ضعف المعدل بين النساء البيض، وتُعتبر السكتة الدماغية من أهم الأسباب الطبية المؤدية إلى هذه الوفيات. وتُساهم عوامل مثل تأخر التشخيص، والفجوات في الحصول على الرعاية، وارتفاع معدلات السمنة وارتفاع الضغط وتسمم الحمل في تفاقم هذه المشكلة.

كما تواجه النساء من الأقليات العرقية نسبًا أعلى من عوامل الخطر مثل ارتفاع الضغط والسكري، إلى جانب محدودية الوصول إلى رعاية عالية الجودة خلال الحمل وبعده. ولهذا تُعد الفحوصات الدورية والتوعية الصحية الملائمة ثقافيًا أمرًا ضروريًا للحد من المضاعفات.

لماذا تُغفل السكتة الدماغية لدى النساء؟

غالبًا ما تمر أعراض السكتة الدماغية لدى النساء دون ملاحظة أو تفسير صحيح. فرغم أن الأعراض الأساسية – مثل ارتخاء جانب الوجه وضعف الذراع وصعوبة الكلام – تتشارك بين الجنسين، إلا أن النساء يبلغن في كثير من الأحيان عن علامات إضافية مثل الإعياء والدوار والغثيان والارتباك، وقد تُفسَّر هذه الأعراض خطأ بأنها مجرد توتر أو صداع نصفي أو قلق.

وتُظهر الممارسات السريرية أن مقدمي الرعاية قد يُخطئون في تشخيص هذه الحالات على أنها “محاكاة للسكتة” بدلاً من سكتة حقيقية، مما يؤدي إلى تأخير العلاج، وهو عامل ينعكس مباشرة على احتمالات التعافي والحياة الوظيفية للشخص.

ومن الأنواع التي تُسجَّل لدى النساء بمعدل أعلى النزيف تحت العنكبوتية، الناتج غالبًا من تمزق تمدد وعائي في الدماغ، ويتميز بصداع مفاجئ يعدّ من أشد أنواع الألم. وقد يكون لانخفاض الإستروجين بعد انقطاع الطمث دور في ضعف جدران الشرايين وزيادة قابليتها للتمزق. كما تزداد الخطورة لدى النساء اللواتي ينقطع الطمث لديهن قبل سن الثانية والأربعين.

عبء صحي غير متوازن بين الجنسين

تتحمل النساء حول العالم عبئًا غير متكافئ من السكتات الدماغية، إذ تلعب العوامل الهرمونية والتناسلية والاجتماعية دورًا كبيرًا في تشكيل هذا الخطر، إلى جانب التفاوتات العرقية في الحصول على الرعاية الصحية والوعي الطبي والعلاج المبكر. ورغم ضخامة المشكلة، تبقى المعرفة العلمية المتعلقة بفروق السكتات الدماغية بين الجنسين غير مكتملة، كما لا تزال النساء ممثلات بشكل محدود في الدراسات السريرية، مما يجعل كثيرًا من التوصيات الطبية مبنية على بيانات مستمدة في الأساس من الرجال.

ولتقليص الفجوة، يتطلب الأمر خططًا موجهة للوقاية والرعاية تأخذ في الاعتبار احتياجات النساء على اختلاف مراحل حياتهن، مع تعزيز التوعية والكشف المبكر وتعميم الممارسات الصحية العادلة. ومن خلال فهم هذه العوامل ومعالجتها، يمكن الحد من التأثير العالمي للسكتة الدماغية وتقليل التفاوت بين النساء والرجال.

اقرأ أيضًا:
فصيلة دمك قد تنذر بخطر إصابتك بسكتة دماغية مبكرة.. كيف ذلك؟
أسباب السكتة القلبية للشباب.. فهم المخاطر ينقذ الحياة
نقص الدم في الدماغ.. دليل شامل!

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech