بين الحماس والتعصب.. ماذا يحدث لدماغك أثناء مباراة كرة القدم؟

نوفمبر ١٥, ٢٠٢٥

شارك المقال

بين الحماس والتعصب.. ماذا يحدث لدماغك أثناء مباراة كرة القدم؟

تتمتع كرة القدم بمتابعة عالمية واسعة، وتُقدم نافذة فريدة لفهم سلوك البشر، بدءًا من المشاهدة العابرة وصولًا إلى التفاعل العاطفي العميق. ويجعل هذا التنوع من اللعبة نموذجًا مثاليًا لدراسة الهوية الاجتماعية وكيفية معالجة المشاعر أثناء المنافسة.

ويُظهر التاريخ أن التنافسات الرياضية قد تثير ولاءً وحماسًا شديدين، حيث يدافع المشجعون عن فرقهم ولاعبيهم المفضلين بشراسة، ويحتفلون بالأهداف أو يغضبون من القرارات المثيرة للجدل.

تشير دراسة حديثة إلى أن تقلبات المشاعر لدى مشجعي كرة القدم لا تقتصر آثارها على المدرجات، بل تمتد إلى الدماغ ذاته. فقد اكتشف العلماء أن الفوز ينشط مراكز المكافأة في الدماغ، بينما تؤدي الخسارة إلى ضعف التحكم المعرفي، ما يفسر تصرفات المشجعين المتحمسين أحيانًا بشكل غير عقلاني.

تعصب مشجعي كرة القدم

نُشرت الدراسة في مجلة Radiology التابعة لجمعية الإشعاع في أمريكا الشمالية (RSNA)، كشف باحثون أن مناطق محددة من الدماغ تنشط لدى مشجعي كرة القدم أثناء مشاهدة مباريات فريقهم المفضل، مما يثير مشاعر وسلوكيات إيجابية وسلبية. وأشار الباحثون إلى أن هذه الأنماط الدماغية قد تنطبق أيضًا على أشكال التعصب الأخرى مثل التعصب السياسي والطائفي، وأن هذه الدوائر تتشكل منذ مراحل مبكرة من الحياة.

قال الباحث الرئيسي فرانسيسكو زامورانو، عالم الأحياء والحاصل على دكتوراه في العلوم الطبية في مستشفى سانتياغو والأستاذ المشارك بكلية العلوم لرعاية الصحة بجامعة سان سيباستيان في تشيلي: “يُقدم مشجعو كرة القدم نموذجًا عالي الموثوقية للتعصب البيئي، وله عواقب حياتية قابلة للقياس على الصحة والسلوك الجماعي”.

وأضاف زامورانو: “على الرغم من أن الانتماء الاجتماعي دُرس على نطاق واسع، إلا أن الآليات العصبية الحيوية للهوية الاجتماعية في البيئات التنافسية لا تزال غير واضحة، لذلك شرعنا في دراسة آليات الدماغ المرتبطة بالاستجابات العاطفية لدى مشجعي كرة القدم تجاه انتصارات فرقهم وخسائرها”.

استخدم الباحثون في هذه الدراسة، التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تقيس نشاط الدماغ عبر رصد التغيرات في تدفق الدم، لفحص 60 مشجعًا لكرة القدم من الذكور الأصحاء تتراوح أعمارهم بين 20 و45 عامًا، ينتمون إلى فريقين متنافسين تاريخيًا. وتم تقييم التعصب باستخدام مقياس تعصب مشجعي كرة القدم المكون من 13 بندًا، والذي يقيس بُعدين فرعيين: “الميل إلى العنف” و*”الشعور بالانتماء”*.

قام الباحثون بجمع بيانات تصوير الدماغ للمشاركين أثناء مشاهدتهم 63 مقطعًا لأهداف مباريات تخص فريقهم المفضل، أو فريقًا منافسًا، أو فريقًا محايدًا.

بعد ذلك، أجرى الفريق تحليلاً مفصلاً لنشاط الدماغ لمقارنة الاستجابات العصبية عند تسجيل الفريق المفضل هدفًا ضد منافس شرس (فوز كبير) مع استجابات تسجيل المنافس هدفًا ضد الفريق المشارك (هزيمة كبيرة)، إلى جانب استخدام أهداف الفرق غير المنافسة كمعيار للمقارنة

أظهرت فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي تغيّرات واضحة في نشاط الدماغ حسب نجاح أو فشل فريق المشجع. وقال الدكتور زامورانو: “تُعيد المنافسة تشكيل توازن التقييم والتحكم في الدماغ بسرعة خلال ثوانٍ قليلة”.

وأضاف: “في حالة الانتصار الكبير، تتضخم دائرة المكافأة في الدماغ مقارنة بالانتصارات غير التنافسية، بينما عند الهزيمة الكبيرة، تُظهر القشرة الحزامية الأمامية الظهرية (dACC)، المسؤولة عن التحكم المعرفي، قمعًا لإشارات التحكم”.

أظهرت النتائج نشاط متزايد في مناطق نظام المكافأة عندما سجلت فرق المشاركين أهدافًا ضد منافسيهم مقارنة بالفرق غير المنافسة، مما يشير إلى تعزيز الهوية الاجتماعية والانتماء الجماعي.

وأوضح الدكتور زامورانو أن التأثير يكون أقوى لدى المشاركين المتعصبين بشدة، مما يؤدي إلى فشل مؤقت في التنظيم الذاتي عند تهديد الهوية، وهو ما يفسر التصرفات المفاجئة وغير العقلانية التي قد يظهرها الأفراد أثناء المباريات.

يشير هذا النمط إلى ضعف مؤقت مرتبط بالحالة في التحكم الدماغي، قد يتعافى بتهدئة قصيرة أو إزالة المحفزات. وأوضح الدكتور زامورانو أن زيادة المكافأة وانخفاض السيطرة تحت التنافس قد تمتد إلى الصراعات السياسية والطائفية، كما تحدد النتائج آليات لتطوير استراتيجيات الاتصال وإدارة الحشود والوقاية من المخاطر في البيئات التنافسية.

أنماط أخرى من التعصب

كما أشار الدكتور زامورانو، إلى أن دراسة التعصب مهمة لأنها تكشف عن آليات عصبية قابلة للتعميم، تمتد من حماس الملاعب إلى الاستقطاب والعنف، وتؤثر سلبًا على الصحة العامة للسكان”.

وأضاف أن الأهم أن هذه الدوائر العصبية تتشكل في مراحل مبكرة من الحياة؛ فجودة الرعاية، والتعرض للتوتر، والتعلم الاجتماعي، تحدد توازن التقييم والسيطرة الذي يجعل الأفراد لاحقًا عرضة للتعصب. لذلك، تُعد حماية الطفولة أقوى استراتيجية وقائية، فالمجتمعات التي تهمل النمو المبكر لا تتجنب التعصب، بل ترث أضراره”.

وأشار الدكتور زامورانو، إلى أن مشجعي كرة القدم يمثلون نموذجًا أخلاقيًا عالي الصلاحية لاختبار العمليات العصبية والتدخلات مثل التأطير، وإشارات العدالة، وتصميم الأحداث، وإدارة الحشود، والتي يمكن تطبيق نتائجها على السياسة، والطائفية، والقبلية الرقمية.

وأضاف أن هذه الظاهرة تتجلى بوضوح في الصراعات العالمية والسرديات السياسية الحالية، مشيرًا إلى أن هجوم مبنى الكابيتول الأمريكي في 6 يناير 2021 أظهر كيف يمكن أن يتجاوز التعصب السياسي المعايير الديمقراطية عندما يصل اندماج الهوية إلى ذروته.

قال الدكتور زامورانو، إن المشاركون أظهروا علاماتٍ واضحةً على ضعف السيطرة الإدراكية، وهو ما وجدته دراستنا بالضبط في انخفاض نشاط القشرة المخية الأمامية الأمامية”. وأضاف: “باختصار، لا يقتصر البحث في التعصب على الوصف، بل هو وقايةٌ مُستنيرةٌ بالنمو تحمي الصحة العامة وتُعزز التماسك الديمقراطي. عندما نناقش التعصب، فإن الحقائق تُثبت نفسها

اقرأ أيضًا:

حقيقة حساسية الغلوتين.. بين الوهم والواقع!

دواء للكوليسترول يقلّل خطر الإصابة بالنوبة القلبية بـ 36%

منشّط طبيعي أم خطر صامت؟.. الوجه الآخر لشاي الماتشا

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech