لعقود طويلة، هيمنت تمارين الجزء العلوي من الجسم — خصوصًا لدى الرجال — على حساب تمارين الساق والجلوتس؛ فالصورة النمطية للجسم المثالي كانت دائمًا الأكتاف العريضة والجذع على شكل حرف “V”، كما تُظهر المقاطع الرياضية الساخرة عن “تجاهل يوم تمرين الساقين”. لكن العلماء والمدربين يؤكدون اليوم أن الأساس الحقيقي للقوة يوجد في الجزء السفلي من الجسم.
يقول جون غالوتشي، أخصائي العلاج الطبيعي والمنسق الطبي في دوري كرة القدم الأمريكي: “معظم الرجال يتجاهلون عضلات الجذع والعضلات الألوية (الجلوت) وعضلات الأطراف السفلية“.
أما مدرب اللياقة مايكل بوب، فيقدّم تفسيرًا لذلك: “الجزء العلوي من الجسم هو موضع العرض، بينما الجزء السفلي هو مصدر الحركة. لكن من ناحية الأداء الوظيفي، فإن الجزء السفلي هو ما يساعدنا في معظم الأوقات”.
وتشير الأبحاث إلى أن قوة الجزء السفلي من الجسم – وخصوصًا عضلات المؤخرة (الجلوت) – قد تكون أحد المفاتيح المُهملة للحفاظ على اللياقة والتقدم في العمر بصحة جيدة.
فبعد سن الثلاثين، يبدأ الرجال بفقدان الكتلة العضلية تدريجيًا، ما يؤدي إلى آلام مزمنة في الظهر، وإصابات متكررة، وانخفاض في القدرة على الحركة، وبعد الستين، تصبح وتيرة التراجع أسرع.
إحدى الدراسات وجدت أن عضلات الجلوت تُظهر انخفاضًا في الكثافة العضلية وضعفًا في القوة مقارنةً بالعضلات الأخرى في الأطراف السفلية، ما يشير إلى أنها قد تتدهور بسرعة أكبر، كما تنخفض كثافة العظام أيضًا مع التقدم في العمر، وإن كان ذلك بمعدل أبطأ لدى الرجال مقارنة بالنساء.
يقول بوب: “تمارين القوة وسيلة فعالة لمواجهة هذه التغيرات، فهي لن تمنع الشيخوخة بطبيعة الحال، لكنها تساعد على بقاء العظام قوية وزيادة الكتلة العضلية، بخلاف ما يحدث لدى الأشخاص قليلِي الحركة”.
إليك الأسباب التي تجعل عضلات المؤخرة (الجلوت) والجزء السفلي من الجسم مهمة للغاية — وكيف يمكنك تدريبها بالشكل الصحيح.
تُعد عضلات المؤخرة — العضلة الألوية الكبرى، والوسطى، والصغرى — من أهم العضلات في الجسم لدورها المحوري في التوازن، ووضعية الجسم، والوقاية من الإصابات.
ومع التقدم في العمر، يؤدي ضعف عضلات الجزء السفلي إلى زيادة كبيرة في خطر السقوط، خاصة لدى كبار السن. ووفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإن واحدًا من كل أربعة بالغين فوق سن الخامسة والستين يتعرض للسقوط سنويًا، وغالبًا ما يؤدي ذلك إلى كسور أو فقدان القدرة على الاستقلالية.
والأهم أن معظم هذه السقوطات يمكن الوقاية منها عبر تقوية عضلات الجزء السفلي من الجسم، وخاصة الجلوت.
أظهرت مراجعة تحليلية نُشرت عام 2020 أن برامج التمارين الرياضية تُحسّن بشكل ملحوظ التوازن الثابت والحركي وتُقلل من معدلات السقوط لدى الأشخاص فوق سن الخامسة والستين. كما وجدت دراسة أخرى أن قوة العضلات المبعدة للفخذ وتركيبة عضلات المؤخرة كانت العامل الفارق بين كبار السن الذين تعرضوا للسقوط وأولئك الذين لم يتعرضوا له.
ويضيف غالوتشي وبوب أن ضعف عضلات المؤخرة يمكن أن يسبب مشكلة شائعة أخرى: آلام أسفل الظهر. فعضلات الجلوت القوية تساعد في تثبيت الحوض والجذع والحفاظ على استقامة العمود الفقري، مما يدعم وضعية الجسم الصحيحة.
كما تلعب عضلات الورك الداعمة — مثل العضلات المبعدة (التي تُحرّك الساق بعيدًا عن الجسم) والمقربة (التي تُعيدها إلى مكانها) — دورًا أساسيًا في تثبيت الحوض. وعندما تضعف هذه العضلات، يمكن أن يميل الحوض أو يدور قليلًا، مما يسبب ضغطًا زائدًا على الفقرات القطنية في أسفل الظهر.
بشكل عام، فإن تقوية عضلات الجلوت تجعل الحركة اليومية أكثر سلاسة وأمانًا — سواء عند الانحناء لالتقاط صندوق، أو صعود الدرج، أو أداء الأنشطة البسيطة — مع تقليل احتمالية الإصابات أو الإجهاد العضلي.
الجزء السفلي من الجسم يُولّد قوة أكبر بكثير مما يتخيله معظم الناس — حتى في الحركات التي تبدو وكأنها تأتي من الجزء العلوي.
يقول غالوتشي: “لا توجد رياضة يمكنك ممارستها دون إشراك عضلات الجذع، وعضلات المؤخرة والورك، وعضلات الأطراف السفلية لتحقيق التوازن”.
بمعنى آخر، سواء كنت تركل كرة، أو تركض، أو تقفز، أو حتى ترمي كرة بيدك، فإن القوة الحقيقية تبدأ من الأرض وتصعد عبر الساقين والورك إلى بقية الجسم.
حتى أبسط الحركات، مثل رمي كرة البيسبول لطفلك، تبدأ من القدمين وتتدفق عبر سلسلة الحركة الحركية مرورًا بالكتف والكوع قبل أن تنطلق من الأصابع. يقول بوب: “كمية القوة التي تولّدها في هذه الحركة تعتمد على الجزء السفلي من الجسم”.
ومع دخول العديد من الرجال منتصف العمر، غالبًا ما يتجهون إلى الرياضات الترفيهية مثل البينتبول، والتنس، أو الغولف. ويضيف غالوتشي: “إذا لم تكن لديك القوة الأساسية، والتوازن، وقوة الأطراف السفلية، وعضلات المؤخرة، فغالبًا ستنتهي بي المطاف في عيادة العلاج الطبيعي الخاصة بي لأعيدك إلى الحالة الصحية”.
إن بناء قوة الجزء السفلي من الجسم لا يحميك فقط من الإصابات أثناء النشاط البدني، بل يحسّن أدائك أيضًا. فغالبًا ما يلاحظ لاعبو الغولف انخفاض نتائجهم وزيادة طول ضرباتهم عندما تصبح أرجلهم وجذعهم أقوى. كما يكتشف لاعبو الرياضات التي تستخدم المضرب أن التوازن والقوة الدورانية المكتسبة من تمارين القوة تترجم إلى زيادة السرعة والتحمل داخل الملعب.
اعتبارًا من سن 35 تقريبًا، تنخفض مستويات التستوستيرون طبيعيًا بمعدل يصل إلى 1.3٪ سنويًا، مما يساهم في فقدان العضلات، والتعب، وضعف العظام، وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وتشير بعض الأبحاث إلى أن تمارين المقاومة — وخصوصًا رفع الأثقال للجزء السفلي من الجسم — يمكن أن تزيد مؤقتًا من مستويات هرموني النمو والتستوستيرون.
مع ذلك، لا تزال التأثيرات طويلة المدى لتدريب القوة على مستويات التستوستيرون محل جدل بين الباحثين. ومع ذلك، وجدت دراسة عام 2025 نُشرت في Frontiers in Physiology أن مستويات التستوستيرون مرتبطة بالكتلة العضلية لدى الرجال من الشباب إلى منتصف العمر.
تشير هذه النتائج إلى أن الحفاظ على الكتلة العضلية قد يساعد في حماية صحة الهرمونات مع التقدم في العمر. وحتى لو لم يكن بمقدور تمارين القوة زيادة مستويات التستوستيرون على المدى الطويل بشكل مباشر، فإنها تخفف من آثار انخفاض المستويات.
غير متأكد من مدى قوة عضلات المؤخرة لديك؟ إحدى الطرق السريعة للاختبار هي الوقوف على ساق واحدة لمدة 10 إلى 15 ثانية دون أن تميل أو تنحني حوضك، وفقًا لما يقوله غالوتشي. إذا لم تستطع القيام بذلك، فهذا مؤشر على أن الجزء السفلي من جسمك يحتاج إلى مزيد من القوة والثبات.
لكن تعلم كيفية تفعيل عضلات المؤخرة وبقية عضلات الجزء السفلي بشكل صحيح يحتاج إلى ممارسة. يقول بوب: “الكثير من الناس لا يعرفون كيف يشغلون عضلات المؤخرة. لهذا، عندما يقومون بحركات مثل رفع صندوق، يرفعونه باستخدام الظهر بدلاً من عضلات الجزء السفلي”.
تحميل الجسم بما يتجاوز الأنشطة اليومية — سواء عبر الأوزان، أو أربطة المقاومة، أو حتى تمارين وزن الجسم المتكررة — يُحدث تكيّفات في العضلات، والأربطة، والأوتار، والجهاز العصبي. يوضح بوب: “هذا ما يبني التحكم الحركي، وما نسميه الذاكرة العضلية. فتمارين مثل الديدليفت تعلمك كيفية تفعيل عضلات المؤخرة”.
وينصح غالوتشي بالتركيز على عضلات المؤخرة، والفخذ الأمامي (الكواد)، وأوتار الركبة من خلال تمارين أحادية الجانب (تعمل على جانب واحد من الجسم في كل مرة) مثل القرفصاء المنقسمة (Split Squats) والصعود على قدم واحدة (Single-leg Step-ups). كما تعد حركات مثل جسر الجلوت (Glute Bridges) وتمارين Clamshell إضافة ممتازة لتقوية المؤخرة والعضلات الصغيرة المثبتة.
ولا يزال العديد من الأشخاص يقلقون من الإصابة عند رفع أوزان ثقيلة. يوضح بوب أنه ليس من الضروري — ولا يُنصح — بالتدريب مثل لاعبي كمال الأجسام لرؤية الفوائد. يمكن البدء بتكرارات من تمارين وزن الجسم مثل القرفصاء، ثم استخدام أنبوب PVC أو عصا مكنسة بدل البار. ومع التقدم، يمكن إضافة وزن على شكل دمبل خفيف، كيتل بيل، أو حتى شريط مقاومة حول الفخذين.
ويؤكد بوب: “ابدأ بخفيف ودعنا نتدرج تدريجيًا. الأهم هو التقنية. أي نوع من المقاومة سيكون كافيًا.”