لماذا يُعتمد على العملات المشفرة في التحوط ضد التضخم؟

نوفمبر ٢٥, ٢٠٢٥

شارك المقال

لماذا يُعتمد على العملات المشفرة في التحوط ضد التضخم؟

في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة التحولات الاقتصادية حول العالم وتواجه فيه العملات التقليدية عقبات للصمود أمام التقلبات المالية، يبحث المستثمرون عن ملاذات آمنة تضمن لهم حماية أصولهم وثرواتهم، لتظهر العملات المشفرة كخيار غير تقليدي، يتحرك خارج قواعد النظام المالي المعتاد.

وبعد أن كان الحديث عن العملات المشفرة مجرد تجربة تستطلع القادم في مستقبل الأسواق، بات اليوم جزءًا مؤثرًا في النقاشات المالية والاستثمارية.

ما الذي يدفع المستثمرين للتحوط بالعملات المشفرة؟

هناك عدة عوامل ساهمت في إكساب العملات المشفرة قوتها في مواجهة التضخم ومنها:

الندرة والعرض المحدود

بالحديث هنا عن بيتكوين كمثال، سنجد أن لديها حد أقصى ثابت من الوحدات (21 مليون عملة). وهذا التصميم يجعلها "شحيحة" بطريقة تشبه الذهب، مما يعطي بعض المستثمرين ثقة بأنها قد تحافظ على القيمة إذا تدهورت العملات الورقية بسبب التضخم. وفي بعض الاقتصادات ذات التضخم المرتفع، مثل بعض دول أمريكا اللاتينية أو إفريقيا، يُنظر إلى العملات المشفرة كخيار لتخزين القيمة بعيدًا عن العملات المحلية التي قد تفقد قيمتها بسرعة.

اللامركزية والاستقلال عن السياسات النقدية

لا تخضع العملات المشفرة  لسيطرة مركزية بنفس الطريقة التي تخضع لها عملات البنوك المركزية. ويرى بعض المستثمرين أن هذا يقلل من مخاطر التضخم الناتج عن طباعة النقود أو السياسات النقدية التوسعية. وتتشابه بيتكوين في ذلك مع الذهب الذي يُعتبر واحدًا من أبرز الملاذات الآمنة في فترات التقلبات الاقتصادية. ولذلك يُنظر إليها بالتالي كملاذ مستقلّ عن التضخم الحكومي.

مرونة ونقل القيمة

تتميز العملات المشفرة مثل بيتكوين بأنها سهلة التحويل عالميًا، وهذا يضيف ميزة تخزين قيمة يمكن نقلها بسرعة وبشكل رقمي مقارنة ببعض الأصول التقليدية. ومن وجهة نظر بعض المستثمرين، هذا يجعلها مناسبة كأصل طويل الأجل للتحوط من التضخم. وأظهرت بيتكوين وبعض العملات الرقمية، قدرة تحوّط أفضل مقارنة ببعض الأصول التقليدية في بعض البلدان، وذلك أثناء فترات اضطراب السوق أظهرت.

عملة معترف بها عالميًا

باتت الأصول القابلة للنقل والتداول بسهولة عبر الحدود تحظى بقيمة متزايدة، إذ يمنحها ذلك قدرة أكبر على العمل كملاذات آمنة. ولهذا تُعد الأصول المعترف بها عالميًا مثل الذهب، والعملات المستقرة المرتبطة بالدولار، والعملات المشفرة مثل البيتكوين خيارات أكثر جاذبية لمن يبحثون عن مخزن موثوق للقيمة.

لماذا يشكّك البعض في التحوّط بالعملات المشفرة؟

على الناحية الأخرى، هناك حجج مضادة تشكك في التحوط بالعملات المشفرة وذلك بناءً على عدة أسباب:

تقلب الأسعار

تُعرف عملة بيتكوين المشفرة بتقلباتها العالية. ويتطلب التحوّط الفعّال أساسًا من الاستقرار في القيمة، وليس مضاربة كبيرة. ولذلك تقول بعض الدراسات إن هذا يجعله أقل ملاءمة كتحوّط مستمر. ووجدت بعض الأبحاث أن بيتكوين ترتفع ردًّا على صدمات التضخم وهو ما يجعلها ملاذًا آمنًا، لكن في نفس الوقت تنخفض عند صدمات عدم اليقين المالي، ما يعني أنها ليست ملاذًا آمنًا كما هو الحال مع بعض الأصول الأخرى مثل الذهب.

تناقض الأدلة

تُشير بعض الدراسات إلى أن بيتكوين لا تتحوّط من التضخم كما يعتقد البعض، ولكنها تستجيب سلبًا لصدمات التضخم المفاجئة. ولفت تقرير لوكالة S&P إلى أن الفكرة قد تبدو منطقية من الناحية النظرية، ولكنها فعليًا لا تدعمها البيانات بشكل قوي.

ويؤكد بحث آخر، أن خاصية التحوّط التضخمي لبيتكوين "محدّدة وفقًا للسياق"، أي أنها كانت أقوى في الأيام الأولى عندما لم يكن هناك تبني مؤسسي كبير، وقد تضعف كلما أصبحت البيتكوين أكثر اندماجًا في الأسواق المالية التقليدية. ورصدت دراسة أكاديمية علاقة إيجابية بين صدمات التضخم ومعدلات عائد البيتكوين، بمعنى أن سعر البيتكوين يميل إلى الارتفاع بعد صدور بيانات تضخم أعلى من المتوقع.

المبالغة في التقدير

هناك من يرى أن فكرة بيتكوين كتحوّط هي في بعض الأحيان مبالغة، وأن البيتكوين بالفعل ليس "عملة مستقرة" من حيث القيمة الحقيقية الطويلة الأجل. علاوة على ذلك، تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن الربط بين بيتكوين والتضخم يعتمد كثيرًا على نوع المؤشر المستخدم مثل مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) والفترة الزمنية من التحليل، ونادرا ما يتم استخدام مؤشرات أخرى مثل الإنفاق الشخصي (PCE).

تفاوت التأثير حسب البلد

قد يكون البعد الجغرافي له تأثير قوي على أداء عملة بيتكوين خلال التضخم، إذ ليست جميع البلدان تشهد نفس العلاقة بين العملة المشفرة والتقلبات الاقتصادية، ففي بعض الدول، قد يكون لبيتكوين تحوّط فعّال، وفي دول أخرى يكون التأثير أقل. ويشير الباحثون يشيرون إلى أن الأمر يعتمد كثيرًا على "بيئة التبني" والعملات المحلية، وكذلك على مدى اعتماد الناس على البيتكوين كملاذ.

فعاليَّة التحوّط بالعملات المشفرة

بشكل عام، لا يمكن اعتبار التحوط بالعملات المشفرة مسألة مضمونة دائمًا، إذ تعتمد فعالية تلك العملية على عدة عوامل مؤثرة ومن بينها:

طبيعة التضخم ومفاجئته.. إن كانت نسبة التضخم متوقعة مسبقًا، فقد تكون العملات المشفرة قد استوعبتها بالفعل في السعر؛ أما المفاجآت التضخمية فقد تدفع الأسعار للتذبذب.

المؤشر المستخدم.. يختلف تأثير التضخم حسب المؤشر المرجعي؛ فالدراسات وجدت البيتكوين يرتفع بعد صدمات مؤشر أسعار المستهلك (CPI) ولكنه قد ينخفض بعد صدمات أخرى مثل مؤشر الإنفاق الشخصي (PCE).

مرحلة النضوج والاعتماد.. في بدايات انتشار العملات المشفرة، حين كان تداولها محدودًا نسبيًا، بدت أكثر استقلالًا. لكن مع توسع القبول المؤسسي وارتباطها بالسوق المالي، بدأت تشارك في تقلبات السوق العامّة، مما قد يقلل من فعاليتها كتحوط على المدى البعيد.

استقرار السوق ودرجة الخطر.. تميل الأصول المشفرة للأداء الجيد في فترات الاستقرار النسبي، بينما تقل مقاومتها للأزمات الكبيرة. فقد وجدت دراسة أن العقود الآجلة على البيتكوين والإيثريوم كانت ملاذًا للتضخم لفترة معينة، لكن فُقدت هذه الفائدة أثناء بعض الأزمات كفشل بورصة FTX.

البدائل المتاحة.. عندما توجد أصول أكثر ثباتًا (ذهب، سندات، عقارات) قد يفضلها المحافظ التقليدية. في المقابل تظل العملات المشفرة عالية التقلب، وقد يؤدي هذا إلى خسائر فادحة إذا ما سجل السوق صدمة كبرى.

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech