يونيو ٢٨, ٢٠٢٥
تابعنا
نبض
logo alelm
دليلك الشامل للعملات الرقمية.. الأنواع والاستخدامات والمخاطر

في كل مرة تمر فيها أزمة مالية، يُطرح سؤال قديم جديد: هل النظام النقدي العالمي بحاجة إلى إعادة اختراع؟ اليوم، وبينما تتسابق الدول والشركات والمستثمرون على فهم أعمق لما يُعرف بـ«العملات الرقمية»، يبدو أن الإجابة لم تعد نظرية، بل عملية تجريبية تجري أمام أعيننا.

تبدو العملات الرقمية، بتفرعاتها الأربعة، كأنها تجارب ميدانية لأنظمة نقدية موازية، بعضها يراهن على الخصوصية والانفصال عن الدولة، وبعضها الآخر يسعى لإعادة صياغة المركزية على نحو عصري. لكن، ما الذي يميز كل نوع منها؟ وكيف يُعيد هذا التحوّل تعريف النقود والسلطة والخصوصية؟

ما العملات الرقمية؟

ليست العملات الرقمية، في جوهرها، سوى أموال بلا ورق أو معدن. هي وحدات نقدية لا يمكن لمسها، لكنها تملك القيمة ذاتها التي نحملها في محافظنا. تنساب عبر الإنترنت من محفظة إلى أخرى، وتُخزّن في ذاكرة رقمية مشفّرة، حيث لا حاجة إلى طوابير البنوك أو توقيعات ورقية.

هذه العملات، سواء كانت مركزية أم لا مركزية، تُستخدم في المعاملات، وتحمل سمات النقد التقليدي من حيث الوظيفة، لكنها تتفوق عليه في السرعة، والمرونة، والعالمية. لا إغلاق في عطلة نهاية الأسبوع، ولا حدود وطنية.

ما الفرق بين الأنواع الأربعة؟

العملات المشفرة

تعمل «العملات المشفّرة» مثل بيتكوين وإيثيريوم على شبكات لامركزية تستخدم التشفير لتأمين المعاملات. لا توجد جهة مركزية تتحكم فيها، وهو ما يجعلها مغرية لمَن يسعون إلى الاستقلال المالي، لكنها أيضًا محفوفة بالمخاطر.

يقول خبير التشفير إدوارد سنودن، إن «هذه العملات توفّر مستوى من الخصوصية والحرية المالية لم يسبق له مثيل»، مضيفًا أن «السؤال الأهم ليس كيف نستخدمها، بل ما الذي يمكنها تغييره؟»

لكن في المقابل، يرى خبراء أن هذه اللامركزية تفتح الباب لتقلبات سعرية عنيفة، ومخاوف من الجرائم الإلكترونية، وصعوبات في فرض الضرائب أو مراقبة التدفقات المالية.

العملات الافتراضية

ليست كل عملة رقمية مشفرة. بعض العملات تُستخدم داخل بيئات افتراضية مغلقة، مثل الألعاب أو المنصات الإلكترونية. وتُعرف هذه بـ«العملات الافتراضية»، وهي غير مرتبطة بالاقتصاد الواقعي إلا نادرًا.

لكن رغم بساطتها، تشكل هذه العملات اقتصادًا هائلًا موازٍ، خاصة مع صعود «الميتافيرس». يرى بعض المحللين أنها تدريب على عوالم اقتصادية مستقبلية، بينما ينتقدها آخرون بوصفها فقاعات مالية بيد صانعي المنصات.

العملات الرقمية للبنوك المركزية

في محاولة لاستعادة زمام المبادرة، بدأت البنوك المركزية في تطوير «عملاتها الرقمية» الخاصة، مثل اليوان الرقمي في الصين، أو «الدولار الرقمي» الذي ما يزال قيد النقاش في الولايات المتحدة

هذه العملات تهدف إلى الجمع بين أمان العملة التقليدية ومرونة الرقمية، لكن بتكلفة: تقليل الخصوصية. يقول تقرير صادر عن «بنك التسويات الدولية» عام 2024، إن «العملات الرقمية المركزية قد تمنح الحكومات أدوات غير مسبوقة لتوجيه الاقتصاد ومراقبة الإنفاق الفردي».

المفارقة هنا أن التكنولوجيا نفسها التي ابتكرتها الحركات التحررية في المجال المالي، أصبحت تُستخدم اليوم لتعزيز سيطرة الدولة، ولكن بشكل أكثر نعومة.

العملات المستقرة

تُعرف «العملات المستقرة» بأنها الجسر الذي يربط بين تقلبات العملات المشفّرة وثبات العملات التقليدية. تُربط عادة بالدولار أو الذهب أو سلة عملات، ما يمنحها استقرارًا نسبيًا، ويجعلها أداة شائعة في التداول اليومي.

لكن هذا الاستقرار ليس مضمونًا دائمًا. فقد شهد العالم انهيارات دراماتيكية لبعض العملات المستقرة، كما حصل مع «تيرا» عام 2022. وهنا يكمن التحدي: من يضمن هذه العملات؟ وما مصيرها إذا تراجعت الثقة في الجهة التي تحتفظ بالاحتياطي؟

هل نعيش لحظة إعادة اختراع المال؟

في الخلفية، هناك تحولات أعمق. تقول دراسة لمعهد «ماكينزي» عام 2024 إن أكثر من 20 دولة تجرّب الآن أنظمة رقمية نقدية محلية. كما تشير بيانات «كوين ماركت كاب» إلى وجود أكثر من 199 عملة مستقرة مدرجة في الأسواق، بعضها بلا تداول نشط، ما يعكس حمى الابتكار والخوف من التخلف في الوقت نفسه.

من جهة، تُسهل هذه العملات التحويلات الدولية وتقلل من التكاليف. ومن جهة أخرى، تطرح تحديات أخلاقية وتنظيمية، من الخصوصية إلى الأمن القومي، ومن الشمول المالي إلى خطر التهميش التقني لفئات واسعة من البشر.

من يتعلّم هذا أولًا؟

لا عجب أن تسعى جامعات مثل «جامعة إلينوي سبرينجفيلد» إلى إدماج هذا التحول داخل برامجها المالية. فالاقتصاد القادم لن يرحم من لا يتقن لغته.

ومع كل ابتكار رقمي جديد، تُعاد صياغة قواعد اللعبة: من يدير المال؟ من يتحكم في الثقة؟ وهل نحتاج إلى بنوك أصلًا؟

ربما لا تزال معظم المعاملات المالية في عالمنا تمر عبر النظام التقليدي، لكن هذا لم يعد المسار الوحيد. فكل نوع من العملات الرقمية يفتح نافذة على عالم موازٍ، أكثر سيولة، أقل وساطة، وأكثر عرضة للتغيير.

المسألة لم تعد فيما إذا كنا سنستخدم النقود الرقمية، بل متى وكيف، ومن سيكتب قواعد اللعبة.

شارك هذا المنشور:

السابقة المقالة

اتفاق سلام تاريخي يُنهي عقودًا من الصراع بين رواندا والكونغو

المقالة التالية

إنفوجرافيك| خريطة نمو المليونيرات