من النفط إلى الذكاء الاصطناعي.. استراتيجية المملكة للتحول الاقتصادي

في ظل التحولات الاقتصادية التي تشهدها المملكة العربية السعودية، تسعى الرياض بخطى متسارعة إلى بناء اقتصاد متنوع يقل اعتماده على النفط، عبر الاستثمار في قطاعات جديدة أبرزها الذكاء الاصطناعي، والسياحة، والرياضة، والتقنية.

وعلى الرغم من أن النفط ما يزال يشكل محور الاقتصاد السعودي، فإن مسار التحول الجاري يعيد رسم ملامح المشهد الاقتصادي، وهو ما أكده وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح في تصريحات لشبكة CNBC الإخبارية، إذ قال إن أكثر من نصف الاقتصاد السعودي بات اليوم “منفصلًا تمامًا عن النفط”، موضحًا أن 40% من إيرادات الحكومة تأتي من مصادر غير نفطية، بعدما كانت تعتمد سابقًا بشكل شبه كامل على العائدات النفطية.

الذكاء الاصطناعي محرك رئيسي

قال الفالح إن المملكة تشهد نتائج مشجعة لكنها تسعى لتسريع وتيرة التنويع الاقتصادي، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد توسعًا أكبر في قطاعات النمو الجديدة، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي، الذي تصنفه المملكة كأحد محركاتها الاقتصادية المستقبلية.

وأوضح الوزير أن السعودية تخطط لتصبح “مستثمرًا رئيسيًا” في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي ونماذج اللغة الكبيرة، إلى جانب إنشاء مراكز بيانات ضخمة بتكاليف تنافسية غير مسبوقة عالميًا. وأشار إلى أن هذا القطاع سيشكل عاملًا حاسمًا في تحديد ملامح الاقتصاد العالمي خلال السنوات المقبلة، مضيفًا أن الدول التي تستثمر فيه مبكرًا ستكون في موقع الريادة.

وبحسب شركة PwC، فإن البنية التحتية القوية للطاقة في المملكة قد تتيح لها تحقيق مكاسب اقتصادية تتجاوز 135 مليار دولار بحلول عام 2030 بفضل استثمارات الذكاء الاصطناعي.

أما على صعيد المالية العامة، فقد أظهر تقرير الأداء الربعي للميزانية السعودية أن الإيرادات الحكومية للنصف الأول من عام 2025 بلغت 565.2 مليار ريال، شكل النفط منها نحو 53.4% فقط، مقارنةً بـ 67.9% في الفترة نفسها من عام 2019. وفي عام 2024، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.3% مدفوعًا بنمو القطاعات غير النفطية بنسبة 4.3%، في حين تراجع النشاط النفطي بنحو 4.5%.

وواصل صندوق الاستثمارات العامة، الذي يُعد أداة المملكة الرئيسة لتنفيذ رؤيتها الاقتصادية، توسيع استثماراته عالميًا، حيث استحوذ على حصص في شركات مثل Electronic Arts لألعاب الفيديو، وشارك في تأسيس صندوق “رؤية سوفت بنك” عام 2017، كما استحوذ على نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي في 2021. ويقول الفالح إن الصندوق نما ستة أضعاف منذ إنشائه، ويقترب حاليًا من إدارة رأس مال يناهز تريليون دولار موزع على قطاعات استراتيجية.

تأثير تراجع أسعار النفط على ميزانية المملكة

رغم تراجع أسعار النفط بنسبة 13.4% في عام 2025 وانخفاض العائدات النفطية بنحو 24% في النصف الأول من العام، يؤكد الفالح أن الحكومة لم تقلص ميزانياتها ولا خططها الاستثمارية، مشددًا على استمرار الإنفاق الحكومي لدعم النمو المستدام.

كما تراهن المملكة بقوة على قطاع السياحة كمحرك اقتصادي رئيسي. ووفقًا لوزير السياحة أحمد الخطيب، ارتفعت مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 5% في عام 2024 مقارنة بـ 3% في عام 2019، وسط توسع متواصل في مشاريع البنية التحتية السياحية، من منتجعات ومطارات وشركات طيران جديدة.

ويؤكد الخطيب أن السعودية تستهدف رفع مساهمة السياحة إلى 10% بحلول 2030، مع هدف طويل الأمد للوصول إلى 20% من الناتج المحلي الإجمالي، بما يعزز من استدامة الاقتصاد الوطني ويقلل اعتماده على الموارد النفطية.