أعلنت شركة إلكترونيك آرتس (EA)، التي تُعد من أبرز الأسماء في صناعة الألعاب الإلكترونية عالميًا، موافقتها على صفقة استحواذ تاريخية من قِبل صندوق الاستمثارات العامة السعودي تبلغ قيمتها 55 مليار دولار (نحو 41 مليار جنيه إسترليني). في خطوة اعتُبرت الأبرز في صناعة الألعاب الإلكترونية خلال السنوات الأخيرة.
ويشمل التحالف الذي يقود عملية الاستحواذ كل من: صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF)، إلى جانب شركتي سيلفر ليك الأميركية وأفينيتي بارتنرز التي أسسها جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. ومن المقرر أن يضخ هذا الكيان نحو 36 مليار دولار نقدًا، فيما سيُغطّى الباقي عبر قروض التي قد ترفع من مديونية الشركة الجديدة بمستويات تتجاوز 20 مليار دولار، وهو ما يثير قلقًا واسعًا داخل صناعة الألعاب.
بموجب الاتفاق، ستتحول EA إلى شركة خاصة بالكامل، إذ سيتم شراء جميع أسهمها المطروحة للتداول العام في البورصات، ليتم شطبها بعد أن كان سهم الشركة قد وصل إلى 210 دولارات، وهو ما يعكس علاوة شراء تُقدَّر بحوالي 25% عن قيمتها السوقية الأخيرة.
وتأتي هذه الصفقة كثاني أكبر عملية في قطاع الألعاب بعد استحواذ شركة مايكروسوفت على Activision Blizzard بقيمة 69 مليار دولار. غير أن صفقة مايكروسوفت مرّت بمسار معقد تخلله اعتراضات تنظيمية من عدة جهات رقابية، خصوصًا في المملكة المتحدة التي حذّرت من تأثير الصفقة على المنافسة. ولم تحصل على الضوء الأخضر إلا بعد تقديم تنازلات لشركة يوبيسوفت بخصوص حقوق توزيع الألعاب عبر خدمات الحوسبة السحابية.
من جهته، علّق الرئيس التنفيذي لشركة EA، أندرو ويلسون، على الصفقة معتبرًا أنها “إقرار قوي بإنجازات الشركة ومكانتها في السوق”، مؤكّدًا أنه سيواصل قيادة الشركة خلال المرحلة المقبلة. وأضاف قائلًا: “بالتعاون مع شركائنا الجدد، سنعمل على تقديم تجارب غير مسبوقة قادرة على إلهام أجيال من اللاعبين حول العالم”.
بالنسبة إلى المملكة، فإن هذه العملية تمثل قفزة استراتيجية في مجال الألعاب الإلكترونية والرياضات الرقمية، وهي امتداد لجهود بدأت منذ سنوات عبر Savvy Games Group، الذراع التابعة لصندوق الاستثمارات العامة. فقد استحوذ الصندوق في مارس 2025 على قسم الألعاب في Niantic (مطور لعبة بوكيمون جو) بقيمة 3.5 مليار دولار، كما اشترى “Scopely” مقابل 4.9 مليار دولار في 2023، فضلًا عن امتلاك حصص في شركات مثل نينتندو وTake-Two Interactive.
وبذلك تعزز السعودية حضورها ليس فقط كمستثمر في شركات ألعاب عالمية، بل كلاعب رئيسي يسعى لفرض بصمته في مستقبل هذه الصناعة. وهو مسار يتوازى مع استضافتها لفعاليات كبرى مثل كأس العالم للرياضات الإلكترونية، واستعدادها لاحتضان دورة الألعاب الأولمبية الإلكترونية 2027، مما يجعل الرياض تسعى لأن تكون مركزًا محوريًا في هذا القطاع العالمي سريع النمو.
تأسست إلكترونيك آرتس قبل أكثر من أربعة عقود، وخلال هذه الفترة أصبحت أحد أعمدة صناعة الألعاب الإلكترونية، حيث اشتهرت بإنتاج سلاسل عالمية حققت مبيعات ضخمة. سلسلة كرة القدم التي عُرفت لسنوات طويلة باسم FIFA وتحولت مؤخرًا إلى EA Sports FC، وتُعتبر العلامة الأبرز للشركة مع بيع ما يزيد عن 325 مليون نسخة منذ انطلاقها في 1993.
كما حققت لعبة The Sims نجاحًا استثنائيًا تجاوزت مبيعاتها 200 مليون نسخة، بينما سجّلت سلسلة Need for Speed أكثر من 150 مليون نسخة مباعة. وإلى جانب هذه العناوين الكبرى، لطالما ارتبط اسم EA بإصدارات ناجحة مثل الألعاب المستوحاة من أفلام Harry Potter وJames Bond، ما جعلها الناشر المفضل في كثير من المشاريع الترفيهية.
وعلى الصعيد المالي، أظهرت نتائج الربع الرابع من عام 2025 صورة مختلطة، إذ بلغت الإيرادات 1.9 مليار دولار، أي أعلى بكثير من التوقعات التي لم تتجاوز 1.55 مليار دولار. وفي المقابل، جاء ربح السهم الواحد عند 0.98 دولارًا، أي أقل من التقديرات التي بلغت 1.08 دولارًا، ما يعكس ضغوطًا على جانب النفقات أو تحديات في إدارة التكاليف.
وعقب إعلان النتائج، قفز سهم الشركة بنسبة 6% في تداولات ما بعد الإغلاق، ليصل إلى 163.81 دولارًا. أما على صعيد الحجوزات الصافية، فقد سجّل الربع الرابع زيادة سنوية بلغت 8% لتصل إلى 1.8 مليار دولار، بينما شهد العام المالي بأكمله انخفاضًا طفيفًا نسبته 1% لتستقر عند 7.36 مليار دولار مقارنة بالعام السابق. ورغم هذا التباين، لا تزال EA تحتفظ بتقييم مالي قوي بحسب بيانات InvestingPro، حيث تُصنّف بوضع “ممتاز” نظرًا لميزانيتها المتينة، حتى وإن كان السهم يتداول عند مضاعف ربحية مرتفع نسبيًا يقارب 39 مرة.
أما بالنسبة للتطلعات المستقبلية، فقد قدمت الشركة توجيهات إيجابية للعام المالي 2026، متوقعة نموًا يتراوح بين 3% و9%، مع حجوزات صافية تتراوح بين 7.6 و8 مليارات دولار. ويعتمد هذا التفاؤل على إطلاقات مرتقبة في سلاسلها الرائدة مثل EA Sports وThe Sims، إلى جانب تعزيز وجودها في سوق ألعاب الهواتف الذكية.
ومع ذلك، تُدرك الشركة أنها ستواجه تحديات مثل الأداء المتذبذب لبعض عناوينها مثل Apex Legends، إضافة إلى تباطؤ مبيعات الكتالوج القديم. وهذا يجعل المرحلة المقبلة مزيجًا من الفرص والضغوط، خصوصًا في ظل التحولات الهيكلية التي ستنجم عن صفقة الاستحواذ الأخيرة.