شغل علم الفلك مساحة من اهتمامات أهل الدولة السعودية الأولى، حيث برع فيه بعضهم، واستخدموه لقضاء حوائجهم.
مكانة علم الفلك في الدولة السعودية الأولى
أولى الناس قديمًا اهتمامًا كبيرًا بالنجوم بسبب حرصهم الشديد على موسم الزراعة وعلى الماء، لذا اهتموا بعلم الأنواء، المتعلق بحساب دخول النجم وغروبه في أوقات معينة من السنة، والذي يشمل كل ما يرتبط بالماء، من المطر والسحاب إلى البرق والرعد.
وكان أهل الدولة السعودية الأولى يستبشرون بكل قطرة غيث، ويتأملون السماء بحثًا عن علامات متكررة ومنتظمة تساعدهم على الترقب بما قـد تجود به السماء من أمطار، فاشتهر عدد من السكان ببراعتهم في الاستدلال بالنجوم، إذ اعتبروها بمثابة مصابيح يهتدون بها في ظلام الصحراء ليلًا، وكانت سبيلهم لتحديد المواقيت.
تعلم الرحالة من سكان الدولة السعودية الأولى أهمية علم النجوم والأنواء، فصاروا يراقبون حركة النجوم ليلًا ويتوقعون هطول الأمطار عند تجمع السحب، وبالفعل كانت الأمطار الغزيرة تهطل على مناطق الدولة.
وأشار الرحالة الفنلندي جورج أوجست فالين أن مزارعي النخيل في شمال الدولة السعودية كانوا يعتمدون على حركة النجوم ليلًا ومواقيت الصلاة نهارًا لحساب ساعات الري اللازمة لكل بستان.
وحرص سكان الدولة السعودية قديمًا على معرفة الكواكب والنجوم للاستدلال بها في شؤون العبادة، مثل تحديد بداية الأشهر القمرية، وخاصةً شهري رمضان وذي الحجة.
واستخدمت الدولة السعودية وسيلة إيضاح تعتمد على أشعة الشمس، تُعرف باسم “الشاخص”، ويبدو أن تسميته تعود إلى ارتباطه بوضوح رؤية النجوم والكواكب وشخوصها في السماء.
يستخدم “الشاخص” لتحديد وقت صلاتي الظهر والعصر، ويتكون من عنصرين هما حجر مدبب يُوضع أعلى سترة سطح المسجد ويطل على صحن المسجد، ويميل نحو الشمال الشرقي باتجاه النجم القطبي، ومجموعة من الأحجار الصغيرة متقاربة الحجم تقريبًا، موضوعة على أرضية المسجد.
أبرز خبراء الفلك والنجوم في عصر الدولة السعودية الأولى
نبغ بعض أهل الدولة السعودية الأولى في علم الفلك ومن بينهم:
راشد الخلاوي
شاعر ومختص بعلم الأنواء والنجوم، اشتهر باهتمامه العميق بعلوم الفلك وحساب الطوالع حيث طور رؤية فلكية حسابية تمكن من إدراك مواسم العام الهجري ويعد تقويمه في النجوم وأوقات ظهورها ومواقعها وعلاقتها بالفصول مرجعًا قيمًا.
عبد الرزاق بن محمد بن علي بن سلوم
ولد في بلدة العطار بمنطقة سدير وله رسالة قيمة تتناول كيفية صنع مزولة لتحديد وقتي الظهر والعصر، وذكر فيها: “وأنا أعرف الزوال بستة أوجه”، وقد ألف كتبًا منها كتابان لشرح كتاب الشيخ محمد بن عبد الرحمن ابن عفالق “سلم العروج إلى علم المنازل والبروج” وهي “الطراز المعلم إلى إيضاح السلم” والآخر شرح مختصر عنوانه ” الطريق الأقوم إلى صعود السلم”.
عثمان بن عبدالله بن بشر
اهتم بالحساب الفلكي، وألف كتاب” الإشارة إلى معرفة منازل السبعة السيارة”، جاء فيه قوله: اعلم أن العرب نظروا في حال القمر فوجدوه قد قطع الفلك في قريب من ثلاثين يومًا.
محمد العسافي
قيل عنه إنه كان يتوقع سقوط المطر قبل حدوثه بثماني عشرة ساعة، ويتوقع تغير اتجاه الرياح قبل أربع وعشرين ساعة، دون أن يخطئ، وتعد هذه من عجائبه في زمن لم تتوافر فيه أدوات الرصد الحديثة.
الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن عفالق
ولد في الأحساء واشتهر بتحقيق علم الفلك، ومن مؤلفاته الفلكية “مد الشبك لصيد علم الفلك” و”كتاب سلم العروج إلى علم المنازل والبروج” و”الجدول”.
محمد بن عبدالله القاضي
كان من كبار شعراء الشعر العامي والمهتمين بالحساب الفلكي والمتابعين لمنازل القمر، وقد زامن حياة الشاعر سقوط الدرعية ونهاية الدولة السعودية الأولى، ومن المواهب التي ظهرت في شعره معرفته الفلكية التي ضمنها قصيدته في النجوم، وهي ” الأنواء والنجوم”.