هل شعرت من قبل بالجوع الشديد؟.. قد يكون ذلك بسبب تأخرك في تناول وجبتك في الميعاد المعتاد أو القيام بنشاط هائل وهو شعور طبيعي يختبره البشر جميعًا، ولكن أن يكون هذا الشعور دائمًا هو أمر مختلف ويُعرف باسم متلازمة “برادر ويلي”.
يشعر الأشخاص المصابون بمتلازمة برادر ويلي بالجوع الدائم ولا يختبرون إحساس الشبع مطلقًا حتى بتناول الطعام، وعادة ما يفقد المصابون بهذه المتلازمة القدرة على التحكم في وزنهم ما يؤدي لإصابتهم بالسمنة وهي عرض شائع لهذه الحالة. وتحدث متلازمة برادر ويلي بسبب اضطراب وراثي متعدد الأجهزة يصيب ما بين 1 من كل 30,000 و1 من كل 10,000 شخص حول العالم. وتصيب الإناث والذكور بنسب متساوية، إلى جانب شخصيات من خلفيات عرقية وإثنية مختلفة.
تحدث معظم حالات المتلازمة بشكل مبكر خلال المراحل الأولى من النمو، وفي حالات نادرة فقط، يكون العامل الوراثي المسبب للمرض. وعلى الرغم من عدم وجود سبب دقيق للإصابة بها إلا أن المشكلة تكمن في الكروموسوم 15. وتحدث المتلازمة عندما تفقد جينات محددة على الكروموسوم 15 وظيفتها، إما لغيابها أو لتعطلها. يُطلق على الجزء المتأثر من الكروموسوم 15 في متلازمة برادر-ويلي اسم 15q11.2-q13، ويُعرف أيضًا باسم منطقة متلازمة برادر-ويلي/ متلازمة أنجلمان (PWS/AS).
وفي الطبيعي، تحمل الخلايا البشرية عادةً 46 كروموسومًا، منها 22 زوجًا من الكروموسومات غير الجنسية، مرقمة من 1 إلى 22، وزوج واحد من الكروموسومات الجنسية. يساهم كل والد بنصف كل زوج من الكروموسومات غير الجنسية – على سبيل المثال، تأتي نسخة من الكروموسوم 15 من الأم وأخرى من الأب.
ولأن الخلايا تحمل نسختين، لا يلزم أن يكون كل جين على كل كروموسوم نشطًا. ومن خلال عملية تُسمى “البصمة الجينية”، تُعطّل جينات معينة في نسخة الأم أو الأب. وتؤثر متلازمة برادر-ويلي على النسخة الأبوية من الكروموسوم 15، وفي معظم الحالات – حوالي 60% أو 70% – تُحذف منطقة PWS/AS عشوائيًا أثناء النمو. وفي غضون ذلك، تُعطّل منطقة PWS/AS الأمومية لدى الجميع. وبالتالي، يُؤدي هذا الحذف إلى حرمان الأشخاص من مجموعة الجينات العاملة.
وفي 30% إلى 40% من الأشخاص المصابين بهذه المتلازمة فإنهم يرثون نسختين من الكروموسوم الأمومي 15، لذا فإنهم يفتقدون النسخة الأبوية تمامًا. ولكن في حالات نادرة يحمل الشخص الكروموسوم الأبوي رقم 15 ولكن الجينات المرتبطة به لا تعمل. وقد يحدث ذلك نتيجة طفرة جينية أو حدوث تعديلات على الحمض النووي التي لا تُغيّر شفرته ولكنها قد تتسبب في تفعيل جينًا أو تعطيله. وفي حالات نادرة، قد تُحفّز هذه المتلازمة بالانتقال الجيني، حيث ينفصل جزء من الكروموسوم رقم 15 ثم يلتصق بكروموسوم مختلف.
تؤثر متلازمة الجوع الشديد على أجزاء عديدة من الجسم، وقد تختلف الأعراض من شخص لآخر، ولكن الاعتقاد السائد أن تلك التغييرات الجينية الكامنة تؤثر على منطقة ما تحت المهاد وهي منطقة أساسية في الدماغ مسؤولة عن إنتاج الهرمونات وتتحكم في العديد من وظائف الجسم ومنها درجة الحرارة والجوع والنوم.
ومن بين الأعراض الأخرى هذه لمتلازمة التوتر العضلي وضعف العضلات وهي أعراض شائعة لدى أغلب المصابين بها. وربما تظهر تلك الأعراض في مرحلة ما قبل الولادة من خلال ملاحظة النشاط الضعيف للجنين وحركته البطيئة أو وضعيته غير الطبيعية، وهو ما يعيق الرضاعة وزيادة الوزن في المراحل المبكرة من الحياة، وقد يؤدي الأمر إلى تأخر في النمو وهو عرض شائع أيضًا.
وهناك بعض الأعراض التي يمكن ملاحظتها لدى الرضع، مثل امتلاك عيون لوزية الشكل وشفة عليا رقيقة، وفم متجه للأسفل، ورأس طويل، وفي أغلب المرضى ينتشر قصر القامة وذلك بسبب نقص هرمون النمو بشكل جزئي. ويعاني بعض المصابين بمتلازمة الجوع الشديد من بشرة فاتحة جدًا وشعر فاتح اللون بسبب نقص الصبغة في الجلد.
وتبدأ أعراض الشهية المفتوحة في مراحل لاحقة من الطفولة إذ يشعر الأطفال بجوع شديد وعدم الشبع بعد الوجبات ويميلون إلى إفراط في تناول الطعام ما يسبب السمنة ومضاعفاتها مثل داء السكري من النوع الثاني وأمراض القلب ومشكلات الجهاز الهضمي. وهناك بعض الأعراض الإضافية لمتلازمة برادر ويلي ومنها ضعف الإدراك ويكون بنسبة من خفيفة إلى متوسطة، إلى جانب تأخر نمو الأعضاء التناسلية ومشكلات النوم والنظر وقصور في نشاط الغدة الدرقية.
لا يوجد علاج نهائي لمتلازمة برادر-ويلي، وتختلف العلاجات باختلاف الأعراض التي يعاني منها الشخص، وتوقيت ظهورها، ومدى شدتها. وتساهم العلاجات المتاحة في التعايش مع متلازمة الجوع الشديد ما يمنح المصابين بها حياة مستقرة حتى سبعين من عمرهم. ولكن في بعض الحالات التي تعاني من أمراض مثل قصور القلب وداء السكري قد تتسبب في تراجع الأعمار إذا لم تتم السيطرة عليها بشكل كاف، وقد تُسبب الوفاة قبل بلوغ الشخص الأربعين. وفي مرحلة الطفولة المبكرة قد يوصي الأطباء بحليب صناعي عالي السعرات الحرارية وطرق تغذية خاصة ، بما في ذلك التغذية الأنبوبية.
كما يمكن أن يساعد استبدال الهرمونات المفقودة – مثل التستوستيرون أو الإستروجين أو هرمون النمو – في تخفيف الأعراض المرتبطة بانخفاض مستويات الهرمونات. كانت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) وافقت على علاج هرمون النمو كعلاج لمتلازمة برادر-ويلي عام 2000، وقد ثبت أنه يساعد في تعزيز قوة العضلات والنمو مع تقليل دهون الجسم.