بلغت أسعار الذهب مستويات غير مسبوقة في مارس 2025، إذ تجاوز سعر الذهب حاجز 3,100 دولار للأونصة، في قفزة اعتُبرت الأكبر منذ عام 1986. هذا الارتفاع لم يكن مدفوعًا بالاستخدامات الصناعية أو الطلب على الحلي، بل ارتبط بالمتغيرات الاقتصادية والمالية العالمية التي دفعت المستثمرين إلى التوجه للذهب كملاذ آمن.
ما الذي يحرك أسعار الذهب اليوم؟
رغم أن الذهب لا يدرُّ عائدًا مباشرًا كالأسهم أو السندات، فإن قيمته ترتبط بمشاعر المستثمرين تجاه المخاطر الاقتصادية، والتضخم، وتقلبات الأسواق. وتشير البيانات التاريخية إلى أن الارتفاعات الكبرى في أسعار الذهب غالبًا ما تأتي في أوقات الأزمات، كما حدث في السبعينيات، وخلال أزمة كوفيد-19، والآن في ظل تصاعد التوترات التجارية.
ارتفاع أسعار الذهب وعدم اليقين العالمي
تشير الرسوم البيانية إلى ارتباط وثيق بين أسعار الذهب ومؤشر “اللايقين الاقتصادي العالمي”. ففي بداية 2024، كانت مستويات عدم اليقين طبيعية نسبيًا، لكنها ارتفعت بشكل حاد في نهاية العام، وواصلت الصعود خلال 2025 لتصل إلى مستويات مشابهة لفترة جائحة كورونا. وتُظهر تحليلات حديثة أن 47% من ارتفاع سعر الذهب خلال العام الماضي ناتج عن هذا العامل وحده.
دور التضخم المحدود في أسعار الذهب
ورغم الشائع، فإن التضخم لم يكن المحرك الرئيسي هذه المرة. فقد ساهم بقرابة 6% فقط من ارتفاع الذهب بين يناير 2024 ويناير 2025، وفقًا لتحليل اقتصادي موسع. هذا يوضح أن الذهب لم يُشترَ فقط كأداة تحوط من التضخم، بل كملاذ آمن في ظل تصاعد التهديدات الاقتصادية.
البنوك المركزية.. دور متواضع
فيما استمرت البنوك المركزية حول العالم – خصوصًا في الصين، روسيا، تركيا، والهند – بشراء كميات كبيرة من الذهب منذ فرض العقوبات الغربية على موسكو في 2022، إلا أن وتيرة هذه المشتريات لم تتغير بشكل ملحوظ في 2024-2025، وبالتالي لم تكن العامل الأبرز خلف القفزة الحالية في الأسعار.
عامل السياسة التجارية في ارتفاع أسعار الذهب
السبب الأكثر إلحاحًا في ارتفاع أسعار الذهب بحسب المراقبين هو القلق المتزايد من تصاعد الحرب التجارية مجددًا، لاسيما بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نيته فرض تعريفات جمركية انتقامية، بما في ذلك ضرائب محتملة على مستوردي النفط الروسي. هذه التهديدات أعادت إلى الأذهان أجواء النزاعات التجارية السابقة، وزادت من قلق المستثمرين حيال مستقبل الاقتصاد العالمي.
مستقبل أسعار الذهب
تشير المؤشرات إلى أن ارتفاع الذهب في 2025 ليس مجرد طفرة مؤقتة، بل انعكاس لحالة عالمية من الترقب والخوف من القادم. وإذا استمرت حالة عدم اليقين – لا سيما على صعيد السياسات التجارية – فقد نشهد مزيدًا من الارتفاع في أسعار الذهب خلال الأشهر المقبلة.