قدم المنتدى الاقتصادي العالمي، ولأول مرة بالشراكة مع مؤسسة دبي للمستقبل، تقريره السنوي الذي يحدد خارطة طريق للابتكار، مستعرضًا أبرز التقنيات الناشئة في 2025 يُنتظر أن تقدم حلولاً جذرية لمشكلات اليوم وترسم ملامح عالم الغد الذي يحتدم فيه سباق تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا التقرير، الذي يعتبر ثمرة جهد تعاوني شارك فيه أكثر من 300 من نخبة الخبراء والعلماء والباحثين من حول العالم، لا يقدم مجرد قائمة بالابتكارات، بل يرسم ملامح مستقبل يتم فيه توظيف العلم لمواجهة أصعب العقبات التي تواجه البشرية.
ويأتي اختيار هذه التقنيات الناشئة لعام 2025 ليعكس الأولويات العالمية، حيث تم التركيز على الابتكارات التي وصلت إلى درجة من النضج تؤهلها لتحقيق فوائد مجتمعية واقتصادية ملموسة. ويشدد التقرير على ضرورة أن تركز الجهود خلال الفترة المقبلة على تهيئة البنية التحتية المجتمعية والقانونية اللازمة لتوسيع نطاق هذه الحلول وتحقيق أثرها المتوقع على أوسع نطاق.
تتنوع التقنيات التي أشار إليها التقرير لتغطي عدة مجالات ما بين الرعاية الصحية والطاقة والمناخ ومواجهة تحديات العالم الرقمي. وفيما يلي نظرة على أبرزها:
في مواجهة الأمراض العصبية التنكسية مثل ألزهايمر وباركنسون، التي يعاني منها أكثر من 55 مليون شخص حول العالم مع خيارات علاجية محدودة، يبرز حل غير متوقع يتمثل في استخدام أدوية الأمراض المزمنة (GLP-1 RAs). هذه الأدوية، التي صُنعت في الأصل لعلاج السكري والسمنة، أظهرت قدرة واعدة على إبطاء هذه الأمراض المدمرة من خلال آليات مثل تقليل الالتهاب في الدماغ وتشجيع إزالة البروتينات السامة.
تختص هذه التقنية الناشئة المبتكرة بمعالجة مشكلة العلاجات المكلفة التي تتطلب حقنًا منتظمًا، وهو ما يمثل عبئًا على المرضى وأنظمة الرعاية الصحية، والتي تقوم على تحويل البكتيريا المفيدة في الجسم إلى “مصانع أدوية” صغيرة، يتم برمجتها وراثيًا لإنتاج العلاج بشكل مستمر ومستقر من داخل الجسم، مما قد يخفض تكاليف الإنتاج بنسبة تصل إلى 70% ويوفر حلاً مستدامًا لمرضى السكري وغيرهم.
تُعد هذه التقنية الناشئة بمثابة بديل أرخص وأكثر استقرارًا للإنزيمات الطبيعية، التي تُستخدم كمحفزات في التفاعلات الكيميائية ولكنها باهظة الثمن وهشة. هذه المواد النانوية المصنعة في المختبر يمكنها أداء نفس الوظائف بكفاءة أعلى وفي ظروف أوسع، مما يفتح الباب لتطبيقات واعدة في الاختبارات الطبية، وعلاج أمراض مثل السرطان، بالإضافة إلى استخدامها في تنقية المياه والتصنيع الآمن.
تعالج هذه التقنية الناشئة مشكلة المراقبة الصحية المتقطعة من خلال الأجهزة الذكية القابلة للارتداء، والتي يُعد جهاز مراقبة الجلوكوز المستمر أبرز تطبيقاتها الحالية، إذ ترصد العلامات الحيوية والكيميائية في الجسم بشكل مستمر، مما يتيح التحول من الطب التفاعلي إلى الرعاية الصحية الاستباقية، مع توقعات بتوسع تطبيقاتها لتشمل مجالات جديدة مثل رعاية سن اليأس وسلامة الغذاء.
تبرز هذه التقنية الناشئة كحل مشكلة لمشكلة البصمة الكربونية الهائلة لإنتاج الأسمدة، التي تستهلك وحدها نحو 2% من إجمالي الطاقة العالمية، وتهدف هذه التقنية إلى استبدال الطرق التقليدية المعتمدة على الوقود الأحفوري بأنظمة حيوية أو كيميائية تستخدم الكهرباء من مصادر متجددة، مما يعد بثورة في استدامة إنتاج الغذاء العالمي.
تعالج تلك التقنية الحاجة إلى مصادر طاقة نظيفة وثابتة، من خلال استغلال تلك التقنية المبتكرة فرق الملوحة الطبيعي عند نقطة التقاء مياه الأنهار العذبة بمياه البحار المالحة لتوليد الكهرباء بشكل مستمر وموثوق، مما يمثل فرصة ضخمة بشكل خاص للمناطق الساحلية حول العالم.
مثل المفاعلات المعيارية الصغيرة (SMRs)، وتبرز كحل أكثر أمانًا وأقل تكلفة وأسهل في النشر مقارنة بالمحطات النووية التقليدية الضخمة، مما يجعلها خيارًا استراتيجيًا في التحول نحو أنظمة طاقة خالية من الانبعاثات الكربونية.
من التقنيات الناشئة التي تواجه تحدي وزن البطاريات في وسائل النقل، إذ تدمج وظيفة تخزين الطاقة مع الهيكل الحامل للوزن في الطائرات والسيارات الكهربائية، مما يقلل من وزنها بشكل كبير ويزيد من كفاءتها ومداها.
هذه التقنية تأتي كأداة حيوية لإضافة علامات غير مرئية تميز المحتوى الحقيقي من المولد صناعيًا، مما يعزز الموثوقية الرقمية ويساعد في بناء بيئة معلوماتية أكثر شفافية، وذلك لمواجهة تحديات تآكل الثقة بسبب المحتوى المزيف، وعدم كفاءة إدارة المدن.
تقدم تلك التقنية الناشئة حلولًا لمشكلات الازدحام المروري وسوء إدارة الموارد في المدن، إذ تقوم بربط شبكات أجهزة الاستشعار المنتشرة في المدينة (كاميرات المرور، مستشعرات البيئة) معًا في نظام متكامل مستفيدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يسمح لأنظمة مثل إشارات المرور بتعديل نفسها تلقائيًا لتحسين تدفق حركة السير وتقليل التلوث، وتسريع استجابة خدمات الطوارئ.
نفذ المملكة العربية السعودية استراتيجية وطنية شاملة، تماشيًا مع رؤية 2030، تهدف إلى ترسيخ مكانتها كرائد عالمي في الاقتصاد الرقمي والمعرفي. ولتحقيق ذلك، أنشأت المملكة هيئات متخصصة مثل الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) ومكتب إدارة البيانات الوطنية، لوضع الأطر التنظيمية والسياسات التي تشجع على الابتكار والاستثمار.
وترتكز هذه الاستراتيجية على تبني وتطوير مجموعة من التقنيات الناشئة في السعودية، أبرزها الذكاء الاصطناعي، الذي أُطلقت له استراتيجية وطنية تهدف لتدريب 20 ألف متخصص وجذب استثمارات بـ 20 مليار دولار. كما تشمل الجهود تطوير إنترنت الأشياء لتحسين كفاءة الإنتاج، وتوسيع شبكات الجيل الخامس التي احتلت فيها المملكة مراتب عالمية متقدمة في السرعة والتغطية، بالإضافة إلى اعتماد تقنية البلوك تشين لتعزيز الشفافية والأمان في قطاعات مثل التمويل والتجارة.
وتتجسد هذه الجهود في مشاريع رائدة وعملاقة مثل “نيوم” و”القدية” و”البحر الأحمر”، والتي تعمل كحاضنات لهذه التقنيات المتقدمة. كما يتم التركيز بشكل كبير على تنمية رأس المال البشري عبر برامج ومسابقات وطنية، مثل “المبرمج الواعد” و”هاكاثون الأمل”، بهدف بناء جيل من الخبراء والمبتكرين القادرين على قيادة التحول الرقمي في المملكة.