قبل ما يقرب من نصف قرن، اجتمع وزراء المالية من المملكة المتحدة وألمانيا الغربية وفرنسا والولايات المتحدة بشكل غير رسمي، في مكتب الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض.
وخلال هذا الاجتماع ناقش الوزراء الوضع النقدي الدولي، ما أرسى قواعد تشكيل ما يُعرف اليوم بمجموعة السبع.
في السنوات اللاحقة، توسعت هذه المجموعة الأولية بسرعة، والتي ضمت اليابان وإيطاليا وكندا لتقوية كتلة أكبر الاقتصادات غير الشيوعية في ذلك الوقت.
وسرعان ما أصبحت هذه المجموعة قوة طاغية، إذ ساهم الناتج الاقتصادي لمجموعة السبع تاريخياً بحوالي 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ومع ذلك، فإن الظهور الأخير لمجموعة دولية أخرى وهي البريكس والتي تضم: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا، جعلها تستحوذ على نصيب من النظام الاقتصادي العالمي.
لتوضيح قوة المجموعتين، أعد موقع visualcapitalist رسمًا بيانيًا يوضح النسبة المئوية لمساهمة أعضاء مجموعة السبع والبريكس في الاقتصاد العالمي، معتمدًا على بيانات من صندوق النقد الدولي.
ويستخدم الرسم أرقام الناتج المحلي الإجمالي المعدل لتعادل القوة الشرائية (PPP) باستخدام الدولار الدولي.
صعود البريكس أمام G7
في عام 2001، تم استخدام الاختصار “BRIC” ، الذي طوره الخبير الاقتصادي في جولدمان ساكس، جيم أونيل، لتحديد أربعة اقتصادات سريعة النمو في مراحل مماثلة من التطور.
وشهد عام 2009 اللقاء بين قادة هذه الدول، الذي أضفى صفة رسمية على علاقتهم، وفي أعقاب ذلك تمت دعوة جنوب إفريقيا للانضمام في عام 2010.
وخلال العقد الماضي، باتت البريكس المنافس الاقتصادي الأول لمجموعة السبع، وكان من أبرز المبادرات التي طرحتها المجموعة هي بناء بنك عالمي بديل، مع استمرار الحوار بشأن نظام الدفع والعملة الاحتياطية الجديدة.
الجدول التالي يوضح مساهمة كلتا المجموعتين في الاقتصاد العالمي من حيث تعادل القوة الشرائية المعدلة.
وكان النمو الاقتصادي للهند والصين من أبرز العوامل التي ساهمت في صعود دول البريكس.
وبعد فترة من التصنيع السريع في الثمانينيات والتسعينيات، حصلت صادرات الصين على دفعة كبيرة بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001.
وقد ساعد ذلك الصين على أن تصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2010.
ولكن على العكس، لم تشهد الهند نفس السرعة في الصعود، ولكن بحلول عام 2022، احتلت الهند المرتبة الثالثة بإجمالي الناتج المحلي (PPP) البالغ 12 تريليون دولار.
وتساهم دول مجموعة البريكس مجتمعة بحوالي ربع الاقتصاد العالمي المعدل حسب تعادل القوة الشرائية البالغ 164 تريليون دولار.
أهمية مقياس تعادل القوة الشرائية
يساهم هذا المقياس في عكس نقاط القوة في العملات والأسعار المحلية، كما أن له تأثيرًا ضخمًا على الناتج المحلي الإجمالي للبلدان النامية، حيث تميل أسعار السلع والخدمات المحلية إلى أن تكون أرخص.
ويوضح الجدول التالي إجمالي الناتج المحلي الاسمي والمعدّل، وفقًا لتعادل القوة الشرائية لكل بلد من دول مجموعة السبعة ودول البريكس في عام 2023.
ويُقاس الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بالدولار الأمريكي مع تحويل العملات بسعر السوق، بينما يستخدم الناتج المحلي الإجمالي المعدل الدولار الدولي (باستخدام الولايات المتحدة كدولة أساسية للحسابات) أي حساب أفضل لتكلفة المعيشة والتضخم.
خلال عام 2023، من المتوقع أن تشكل دول البريكس جزءًا أكبر من الاقتصاد العالمي بحوالي 56 تريليون دولار، مقارنة بمجموعة السبع 52 تريليون دولار، وفق توقعات صندوق النقد الدولي المعتمدة على الناتج المحلي الإجمالي المعدل حسب تعادل القوة الشرائية.
مستقبل المجموعتين
في الوقت الحالي، تشهد الصين والهند طفرة إنتاجية تتميز بزيادة الإنتاجية والأجور والاستهلاك، والتي تمتعت بها معظم دول مجموعة السبع في العقود الثلاثة التي تلت الحرب العالمية الثانية.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تشكل دول البريكس ثلث الاقتصاد العالمي بحلول عام 2028.
ومن الناحية الجيوسياسية، من المؤكد أن الصعود الاقتصادي سيمنح الدول الأعضاء القوة المالية لدعمها سياسيًا، واتضح ذلك بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، عندما امتنعت كل من الصين والهند عن إدانة الحرب في الأمم المتحدة واستمرت في شراء النفط الروسي .
وفي حين أن هذا من المحتمل أن يكون مقلقًا لدول مجموعة السبع، إلا أن مجموعة الدول المتقدمة لا تزال تمارس تأثيرًا لا مثيل له على المسرح العالمي.
ولكن من الناحية الاقتصادية، لا تزال مجموعة الدول السبع الكبرى تسيطر على حصة أكبر من الاقتصاد العالمي بحوالي 46 تريليون دولار في مقابل دول البريكس بـ 27.7 تريليون دولار.
كما تتمتع دول السبع بنفوذ أكبر على الصعيدين السياسي والمالي، وهو ما اتضح في العقوبات التي تم فرضها على روسيا، والمساعدات العسكرية التي تم إرسالها إلى أوكرانيا.
ماذا بعد إنشاء المدن الذكية وكيف ستكون آثارها الاقتصادية والاجتماعية؟