يبدو أن تصنيف الصين كدولة غنية أصبح مهددًا، بسبب النمو الاقتصادي البطيء المتوقع لها خلال العقود القليلة المقبلة.
وتذهب توقعات الاقتصاديين إلى أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم ربما يحقق نموًا بنسبة من 3 إلى 4%، وهو ما يجعل شبح الركود يهددها على غرار ما حدث مع اليابان.
الركب الأمريكي
وخلال الفترة الماضية، كان صناع السياسة يأملون في تضييق فجوة التنمية بين الصين والولايات المتحدة، وهو ما دفع المزيد من الشباب الصيني للالتحاق بالجامعات للدراسة في وظائف الاقتصاد المتقدم.
قال الزميل البارز في معهد أمريكان إنتربرايز، ديزموند لاكمان: “من غير المرجح أن يتجاوز الاقتصاد الصيني اقتصاد الولايات المتحدة خلال العقد أو العقدين المقبلين”.
وتوقع لاكمان أن يتباطأ النمو إلى 3٪، الأمر الذي سيبدو بمثابة ركود اقتصادي، مع توقعات بارتفاع معدلات البطالة بين الشباب لأعلى من 20%.
وأشار إلى أن صدى هذا التباطؤ على الاقتصادي العالمي لن يكون جيدًا.
وخلال تسعينيات القرن الماضي، أصيبت اليابان بالركود، في حين أن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وقتها كان يقترب من الاقتصادات ذات الدخل المرتفع مثل أمريكا.
ولكن على عكسها، فإن مستوى دخل الفرد في الصين أعلى بقليل من نقطة الدخل المتوسط.
نمو مستهدف
وخلال الربع الثاني من العام الحالي، نما الاقتصاد الصيني بنسبة 6.3%، نتيجة لفترة الإغلاق التي صاحبت انتشار فيروس كوفيد في العام الماضي.
هذا النمو المخالف للتوقعات التي كانت أعلى بقليل أثار قلق القادة الصينيين، الذين من المتوقع أن يجتمعوا هذا الشهر لمناقشة تعزيز قصير الأجل وإصلاحات طويلة الأجل للاقتصاد.
ووفق هذه الأرقام، فإن النمو خلال العام الجاري سيسير في الاتجاه الصحيح بنسبة 5% مستهدفة، ولكنه سيتراجع لاحقًا خلال السنوات المقبلة.
كان متوسط النمو السنوي للصين بلغ حوالي 7٪ في العقد الماضي، وأكثر من 10٪ في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
أسباب تراجع النمو
دفعت هذه الخسارة الاقتصاديين لإلقاء اللوم على المشكلات الهيكيلة في الاقتصاد، وليس تراجع الاستهلاك الفردي واستثمارات القطاع الخاص.
وكان من بين المشكلات هو التباطؤ في قطاع العقارات الذي يعتبر المحرك الأساسي لنمو الصين، بخلاف حجم الديون المحلية الكبير، وسيطرة الحزب الشيوعي على المجتمع بما فيه الشركات الخاصة.
من ناحية أخرى، تتقلص القوى العاملة وقاعدة المستهلكين في الصين بينما تتوسع نسبة المتقاعدين.
ويقول كبير الاقتصاديين في شركة Huatai Asset Management، وانغ جون، إن المشكلة الديموغرافية وهبوط قطاع العقارات وعبء الديون الحكومية، إلى جانب التوترات بين الصين والولايات المتحدة، لا تسمح بتبني وجهة نظر متفائلة تجاه النمو على المدى المتوسط إلى الطويل.
كيف تمر الصين من هذه الأزمة؟
قال رئيس المجلس الوطني للإصلاح والتنمية، تشنغ شانجي، في مقال نشر في 4 يوليو في مجلة “تشيوشي” الرسمية إن الصين بحاجة إلى “تسريع بناء نظام صناعي حديث” لتجنب النمو البطئ.
كان تشنغ يشير إلى كفاح الدول النامية للانتقال من مستويات الدخل المتوسط إلى المرتفع، بسبب ارتفاع التكاليف وتراجع القدرة التنافسية.
من ناحية أخرى، يسعى صانعو السياسة لأن يقود الاستهلاك الأسري النمو، ولكنهم لم يُشيروا إلى الخطوات التي سيتم اتباعها في هذا الشأن.
ووفق الخبير الاقتصادي الصيني في Fathom Consulting، خوان أورتس، فإن تعزيز طلب المستهلك قد يعيد توجيه الموارد بعيدًا عن دعم مصدري التصنيع، وهو ما يفسر جزئيًا التردد تجاه مثل هذه الإصلاحات.
ولا يعتقد أورتس أن الحكومة الصينية ستتبع ذلك المسار على الرغم من أنه سيكون المخرج من الركود الاقتصادي، ولكنها اتخذت خطوات في اتجاه آخر.
ويقول كبير الاقتصاديين في معهد نومورا للأبحاث، ريتشارد كو، إن مشكلات الصين أكثر صعوبة مما كانت عليه في اليابان منذ جيل مضى.
ووفق تقديره، تعاني الصين من “ركود في الميزانية العمومية”، حيث يقوم المستهلكون والشركات بسداد الديون بدلاً من الاقتراض والاستثمار.
وأشار كو إلى أن هذه هي أولى خطوات الكساد، لافتًا إلى أن العلاج الوحيد هو التحفيز المالي “السريع والكبير والمستدام”، وهو أمر لم يره وشيكًا نظرًا لمخاوف الديون الصينية.
وأضاف أن الحوافز يجب أن تكون منتجة، وأن تكملها تغييرات تسمح للقطاع الخاص بالخروج من ظل الدولة، بما في ذلك من خلال تحسين العلاقات مع دول المصدر للاستثمار الأجنبي.
ويرى كو أن الصين تحتاج لعكس مسارها، خصوصًا مع الديون التي نتجت عن الاستثمار في البنية التحتية خلال السنوات الأخيرة، والتي بلغت 3 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022.
كما أنه يؤكد على ضرورة أن تحاول الصين الخروج مع معاركها التجارية المستمرة وخصوصًا مع الولايات المتحدة، والتي كان آخرها حول المعادن المستخدمة في أشباه الموصلات.
يقول: “إذا لم يحقق الصينيون أحلامهم الصينية، فربما سيكون هناك 1.4 مليار شخص ليسوا سعداء، الأمر الذي قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار إلى حد ما.”
الصين تخطط لبناء شبكة أقمار صناعية لمنافسة “ستارلينك”.. هل تنجح؟