وصل رئيس وزراء اليابان، فوميو كيشيدا، إلى المملكة اليوم الأحد، في زيارة من أجل تعزيز أوجه التعاون بين البلدين، ومناقشة بعض الملفات الهامة، وهو ما يمثل امتدادًا لتاريخ طويل من العلاقات السعودية اليابانية، التي بلغت أوجها خلال السنوات الأخيرة.
وتعد العلاقات بين المملكة واليابان إحدى أهم العلاقات الدولية في العالم، فهما تتوافقان على رؤية مشتركة حيال القضايا الراهنة ومستقبلهما.
وفي السطور التالية، نسلّط الضوء على مدى عمق العلاقات بين المملكة واليابان، والذي يتضح من تاريخها الطويل، وضخامة التبادل التجاري والثقافي بينهما، بالإضافة إلى رؤيتهما المشتركة.
تاريخ الزيارات الرسمية المتبادلة بين قادة المملكة واليابان
بدأت العلاقات السعودية اليابانية في عام 1955، وعزز تبادل الزيارات توطيد علاقاتهما على مستوى كافة المجالات، ففي عام 1997، شهدت المملكة صياغة الشراكة الشاملة نحو القرن الـ 21 بين خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، ورئيس وزراء اليابان الأسبق، ريوتارو هاشيموتو.
وبعد عام واحد، زار الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عندما كان وليا للعهد، اليابان؛ لتوقيع “أجندة التعاون السعودي الياباني” مع رئيس الوزراء الأسبق كييزو أوبوتشي.
واستمر تبادل الزيارات في القرن الحالي، حيث زار وزير الخارجية الياباني الأسبق، يوهي كونو، المملكة في العام 2001، وأعلن خلال الزيارة عن مبادراته في ثلاثة مجالات: تشجيع الحوار بين الحضارات مع العالم الإسلامي، وتطوير مصادر المياه، والحوار السياسي الواسع المتعدد.
وبدأت بوادر ربط مصلحتي البلدين بعضهما لأقصى درجة ممكنة في سبتمبر 2016، حينما زار ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، اليابان والتقى رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، وهناك اتفقا على تشكيل رؤية مشتركة بين البلدين تحت مسمى “الرؤية السعودية اليابانية 2030”.
وشهد شهر مارس من عام 2017 الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حيث أسفرت عن توقيع عدد كبير من الاتفاقيات والشراكات بين الجانبين، وأبرزها تنفيذ الرؤية السعودية اليابانية 2030 التي ستدفع بالعلاقات الاقتصادية ما بين البلدين إلى مرحلة جديدة تقوم بنقل العلاقة المتينة التي تقتصر على التبادل التجاري في صادرات البترول واستيراد السيارات إلى شراكة إستراتيجية شاملة.
الرؤية السعودية اليابانية 2030
تشتمل الرؤية المشتركة على تسعة قطاعات، هي: الأمن الغذائي والزراعي، والإعلام والترفيه، والعناية الطبية، والبنية التحتية ذات الجودة العالية، والمال والاستثمار، والصناعات التنافسية، والطاقة، وبناء المنشآت الصغيرة والمتوسطة، والثقافة والرياضة والتعليم، وتشارك في هذه الرؤية 65 جهة حكومية سعودية ويابانية.
وعملت حكومتا البلدين على تنفيذ المشروعات المتعلقة بالسعودية واليابان، ومساعدة ومتابعة أوضاع جميع الشركات اليابانية الموجودة في السعودية من خلال افتتاح مكتب تحقيق الرؤية السعودية اليابانية في الرياض في يناير 2018، والذي يعمل على جذب استثمارات يابانية جديدة إلى المملكة، كما أعلنت المملكة عن افتتاح مكتب لها في العاصمة اليابانية طوكيو في الربع الأول من العام 2020.
وكنتيجة للعمل على إنجاح “الرؤية السعودية اليابانية 2030، زادت مشاريع الشراكة الإستراتيجية من 31 مشروعًا في 2017، إلى 81 مشروعًا في 2020.
وشهد العام 2022 تعاونًا أكبر بين الطرفين، عبر ملتقيات ومنتديات استثمارية، نتج عنها تبادل 15 مذكرة تفاهم استثمارية.
التبادل التجاري بين المملكة واليابان
تربط المملكة باليابان علاقات تجارية ضخمة، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما في العام 2022 47,489 مليار دولار، مسجلاً فائض مقداره 34,052 مليار دولار لصالح المملكة.
وخلال العام المذكور، صدّرت المملكة لليابان بقيمة 40,771 مليار دولار، منها 39,779 مليار دولار صادرات نفطية، واستوردت منها سلعًا بقيمة 6,719 مليار دولار.
وتصدرت المنتجات المعدنية قائمة السلع المصدرة إلى اليابان، إضافة إلى المنتجات الكيماوية العضوية، والألومنيوم والنحاس واللدائن، وفي المقابل شملت أكثر السلع التي تم استيرادها من البلد الآسيوي السيارات، والآلات، والمطاط ومصنوعاته، والمعدات والأجهزة الكهربائية، والأجهزة الطبية.
ويبلغ عدد الشركات اليابانية المسجلة في المملكة 101 شركة، منها 38 شركة بالمنطقة الشرقية، و37 شركة بمنطقة الرياض، و23 شركة بمنطقة مكة المكرمة، بإجمالي رأس مال في السجل التجاري يبلغ نحو 4,749,706 دولارات أمريكية.
وعلى الجانب الآخر، يبلغ عدد الشركات السعودية المستمرة في اليابان 66 شركة، من أبرزها “أرامكو”، و”سابك”، و”أكوا باور”، والشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات، وقُدر حجم رأس المال الاستثماري السعودي في اليابان في العام 2020 بنحو 102.6 مليون دولار.
وتعد “أرامكو” أكبر مورد للنفط إلى اليابان، إذ صدّرت في العام 2021 قرابة 40% من إجمالي الواردات النفطية هناك.
وأسهم “الصندوق الصناعي” في تمويل 15 مشروعًا مشتركًا مع اليابان بإجمالي 5,434,947,000 ريال سعودي.
العلاقات الثقافية والعلمية بين البلدين
لم تقتصر الرؤية المشتركة بين المملكة واليابان على الجانب التجاري فقط، بل عززت العلاقات الثقافية بيت البلدين، وهو ما انعكس في إقامة فعاليات يابانية في المملكة لتعليم لغتها، وافتتاح شركة “مانجا” السعودية مكتبًا في طوكيو.
وتعمل وزارة الثقافة بالتعاون مع شركة “تيم لاب” اليابانية العالمية، وهي شركة متخصصة في تصميم المتاحف الرقمية باستخدام أحدث التقنيات والتكنولوجيا، على بناء متحف رقمي يقوم على استخدام التكنولوجيا المتقدمة، ليكون معلمًا سياحيًا يقصده الزوار من داخل المملكة وخارجها.
ومن الجدير بالذكر أن المملكة تشارك في معرض طوكيو الدولي للكتاب، منذ العام 2010، وقدمت خلال النسخ التالية له ندوات وأنشطة وعروضًا سعودية تقليدية، إضافة إلى الكتب.
ويعد الأسبوع الثقافي الياباني الذي أقيم في أبريل 2017، من أبرز الأنشطة الثقافية بين الدولتين، وينطبق نفس الوصف على إنشاء المعهد العربي الإسلامي في طوكيو في العام 1982، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والذي أدخل تعليم اللغة العربية إلى اليابان.
ويبلغ إجمالي عدد الطلاب السعوديين المبتعثين في اليابان 111 طالبًا وطالبة، وتوجد بين الجامعات السعودية ونظيرتها اليابانية 19 اتفاقية تعاون، وثمان مذكرات تعاون، إضافة إلى 5 عقود خدمات.
التبادل التجاري بين السعودية واليابان