يتعرض مواطنو معظم دول العالم منذ أشهر ليست بالقليلة لضغوط اقتصادية، تتمثل في زيادة أسعار السلع والخدمات، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم لمستويات غير مسبوقة، مدفوعًا بالحرب الروسية الأوكرانية وتبعات جائحة كورونا، مما يؤثر على الاحتياجات الأساسية والترفيهية للأسر.
يُعرف التضخم على أنه زيادة في أسعار السلع والخدمات، وبمرور الوقت يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية، أي أن العملة مثلاً كالدولار الأميركي التي تشتري سلعة ما منذ سنوات، لا يمكنها شراء نفس السلعة الآن، فما الذي يسبب التضخم؟ وكيف يمكن قياسه والتصدي له؟
كيف يُقاس معدل التضخم؟
أبرز طرق قياس معدل التضخم، هو مؤشر أسعار المستهلكين “CPI”، حيث تدرس جهات الإحصاء “سلة السوق” للسلع والخدمات، وتقيس متوسط أسعارها من شهر لآخر، ومن هذه السلة التي تتضمن جزءًا من السلع والخدمات التي تستهلكها الأسر في المدن على الأغلب، يتم حساب قراءة مؤشر أسعار المستهلكين.
تضع جهات الإحصاء قراءة بالنقاط للمؤشر في كل شهر، ثم تقوم بمقارنة تكلفة نفس السلة بأسعار الفترة السابقة.
على سبيل المثال: إذا كان مؤشر أسعار المستهلكين سجل 255 نقطة في مارس عام 2021 وارتفع إلى 260 نقطة في مارس عام 2022، فإن هذا يعني أن التضخم سجل نسبة 1.9% خلال فترة الـ 12 شهرًا.
ويمكن الاعتماد على مؤشر أسعار المنتجين “PPI” لقياس معدل التضخم، من خلال تعقب أسعار مدخلات الإنتاج من قبل الشركات.
أسباب التضخم
يمكن للتضخم يمكن أن يحدث بسبب عوامل متعددة، وفيما يلي الأسباب الرئيسية لحدوثه:
– التضخم المدفوع بالطلب: يحدث عند زيادة طلب المستهلكين على سلع وخدمات بعينها بما يفوق قدرة الاقتصاد على تلبية هذا الطلب، فيؤدي للضغط على الأسعار، مثل عمليات الإقبال على شراء تذاكر الحفلات التي يقابلها محدودية عدد المقاعد، مما يفتح الباب أمام الوسطاء لرفع سعر الواحدة بنسب كبيرة.
– التضخم المدفوع بالتكلفة: يحدث عند زيادة الأسعار سبب ارتفاع تكلفة الأجور ومواد الإنتاج، وغالبًا ما يتم تمرير هذه التكاليف إلى المستهلكين في شكل أسعار أعلى لتلك السلع والخدمات.
– زيادة المعروض النقدي: المعروض النقدي هو إجمالي المبالغ المالية المتداولة في الأسواق، والتي تشمل النقد والعملات المعدنية والأرصدة والحسابات المصرفية. وحال زيادة المعروض من النقد بشكل أسرع من معدل الإنتاج، فقد يؤدي ذلك إلى التضخم، وخاصة تضخم الطلب لأنه سيكون هناك الكثير من الأموال التي تطارد منتجات قليلة جدًا.
– انخفاض قيمة العملة: عندما يتم تعديل سعر صرف عملة في بلد ما بالخفض، لأسباب قد تتعلق بتقليل تكلفة التصدير وتعزيز تنافسيتها، يندفع المستهلكون لشراء سلع أنتجتها بلدهم لأنهم وقتها لا يستطيعون شراء السلع الأجنبية ذات السعر الأعلى بسبب تراجع قيمة ما بحوزنهم من عملات محلية.
– زيادة الأجور: تدخل الأجور في تكلفة الإنتاج بميزانيات الشركات، وعندما ترتفع أجور العمالة، يتعين على الشركات إما تمرير التكلفة إلى المستهلكين من خلال سلع أعلى ثمنًا، أو محاولة التكيف ومحاولة تعويض نمو الأجور بإنتاجية أعلى.
– السياسات واللوائح التنظيمية : يمكن أن تؤدي بعض السياسات الحكومية إلى تضخم مدفوع بالتكلفة أو تضخم مدفوع بالطلب، مثل إصدار مزايا ضريبية لمنتجات معينة حيث يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب، وفي حالة ارتفاع الطلب بما يفوق العرض، يزيد التضخم.
كيف يمكن الحد من التضخم؟
يرى خبراء الاقتصاد أن الوسيلة الأبرز للتصدي للتضخم في الظروف العالمية الحالية هي قيام البنوك المركزية برفع معدلات الفائدة؛ لتقليل المعروض النقدي وخفض الإنفاق، مما يؤدي إلى تقليص الطلب على السلع والخدمات.
وهناك عدة وسائل أخرى للسيطرة على التضخم، نستعرضها فيما يلي:
– ضوابط الأسعار: تتمثل في وضع حدود للأسعار من جانب الحكومات وتطبيقها على سلع بعينها، ويمكن أن يحدث ذلك بالتوازي مع ضوابط الأجور.
– معدل الأموال الفدرالية: هو المعدل الذي تقرض به البنوك بعضها البعض على مدار الليلة، ولا يتم تحديد معدل الأموال الفدرالية مباشرة من قبل الاحتياطي الفدرالي. مثلا، من خلال رفع هذه المعدلات، يشجع الاحتياطي الفدرالي البنوك والمقرضين الآخرين على رفع أسعار الفائدة على القروض ذات المخاطر العالية وسحب المزيد من أموالهم إلى الفدرالي، وبالتالي تقليل المعروض النقدي، مما يؤدي إلى تقليل التضخم.
عمليات السوق المفتوحة: تُمثلها اتفاقيات إعادة الشراء العكسية، والتي تشير إلى شراء وبيع سندات الخزينة، وهي أداة يزيد بها الفدرالي الأميركي أو يقلل المعروض النقدي ويعدل أسعار الفائدة.
– متطلبات الاحتياطي النقدي : تحدد البنوك المركزية مقدار الأموال التي يجب على البنوك أن تحتفظ بها في خزائنها لتغطية عمليات السحب، وكلما زاد الاحتياطي الإلزامي لدى البنوك، كلما قلت السيولة المتاحة لديها لإقراض المستهلكين، وهو ما يسهم أيضًا في انخفاض المعروض النقدي، ومن ثم السيطرة على التضخم.
توقعات معدل التضخم العالمي لعام 2023
كيف أثر التضخم على أسعار السلع والخدمات منذ مطلع الألفية؟
بعد مرور عام.. كيف أثرت قرارات الفيدرالي الأمريكي على مستوى التضخم؟