في ظاهرة نادرة وغامضة، يُضاء قمر الأرض أحيانًا ببعض الومضات أو التوهجات الضوئية التي تثير فضول العلماء. فقد لاحظ عالم الفلك ويليام هيرشل في ليلة 19 أبريل 1787 ضوءًا ساطعًا يشبه ضوء سديم الجبار، ينبعث من القمر الجديد غير المضاء ويستمر لساعات طويلة. ويُرجح أن هيرشل كان يشهد ما يُعرف بـ”الظاهرة القمرية العابرة” (TLP)، وهي تغيرات قصيرة المدى تحدث في مظهر أجزاء محددة من سطح القمر.
يقول أنثوني كوك، المحاضر والباحث في الفيزياء بجامعة أبيريستويث بالمملكة المتحدة، أن هذه الظواهر القمرية العابرة تشمل ظهور بقع ساطعة تتراوح ألوانها بين الأحمر والبنفسجي، بالإضافة إلى مناطق ضبابية على سطح القمر. وفي الواقع، تم توثيق نحو 3000 حالة من هذه الظواهر على مدى ألفي عام، سواء عبر التلسكوبات والكاميرات أو من خلال الرصد المباشر للعين المجردة.
تستمر التساؤلات حول أسباب الومضات الغريبة على سطح القمر. ويشير خبراء لموقع “لايف ساينس” إلى أن عدة ظواهر فيزيائية قد تكون مسؤولة عن هذه الظاهرة القمرية العابرة، مؤكّدين أن مدة ظهورها، التي تتراوح بين جزء من الثانية وحتى ساعات، قد تساعد في تحديد مصدرها المحتمل.
أوضح ماساهيسا ياناجيساوا، الأستاذ الفخري بجامعة الاتصالات الكهربائية في اليابان، أن الومضات فائقة السرعة على القمر التي تدوم أقل من دقيقة، غالبًا ما تكون نتيجة اصطدام النيازك. وأشار إلى أن النيازك التي يزيد وزنها عن 0.2 كيلوغرام تقريبًا، أي ما يعادل كرة بلياردو، تُحدث ومضات ضوئية عابرة عند اصطدامها بسطح القمر، نتيجة الطاقة الناتجة عن الاصطدام التي تُسخّن الصخور وتُجعلها تتوهج لفترة قصيرة قبل أن تبرد.
ويرى ياناجيساوا، أنه كان يُشتبه في أن ومضات الاصطدام القمري (LIFs) هي المصدر وراء هذه الومضات، إلا أن العلماء لم يتمكنوا من تأكيد ذلك بشكل قاطع إلا في تسعينيات القرن الماضي، مع توفر كاميرات الفيديو عالية السرعة التي مكنت من رصد القمر بدقة.
وأضاف أن قصر مدة هذه الومضات لا يزال يجعل من الصعب استبعاد تأثيرات أخرى، مثل الضوضاء الكهربائية داخل الكاميرات. ولتأكيد حدوث أي ومضة، كان لا بد من رصدها بشكل متزامن من موقعين بعيدين أو أكثر. وعلى الرغم من هذه الصعوبات، أفاد ياناجيساوا بأن بعض الومضات تم تأكيدها للمرة الأولى خلال زخة شهب الأسديات في نوفمبر 1999، وقد وثّق ذلك في دراسة نُشرت عام 2002 بمجلة “إيكاروس”.
منذ ذلك الحين، تم تسجيل مئات الومضات الضوئية الصغيرة رسميًا من قبل برامج رصد متخصصة، أبرزها برنامج “اصطدامات الأجسام القريبة من الأرض والظواهر الضوئية العابرة” (NELIOTA) الممول من وكالة الفضاء الأوروبية. وسجّل برنامج NELIOTA 193 ومضة ضوئية صغيرة خلال تسع سنوات، وأظهرت الخرائط المرافقة لهذه الومضات أنها تتركز في مناطق محددة تُعرف بالنقاط الساخنة، مثل محيط العواصف، وهي منطقة قمرية يُرجح أنها نشطة تكتونيًا.
ومع ذلك، اعتبر الباحث الرئيسي في المشروع، أليكسيوس لياكوس، الباحث المشارك في المرصد الوطني بأثينا، أن التركيز الظاهر للومضات يمثل تحيزًا رصديًا. وأوضح أن دراسة شارك في تأليفها عام 2024 تشير إلى أن القمر يتعرض لضربات شبه متجانسة من النيازك على سطحه.
من جانب آخر، قد تكون بعض الأضواء القمرية التي تستمر لدقائق ناجمة عن انبعاث غاز الرادون من باطن القمر. وتشير دراستان نُشرتا عامي 2008 و2009 في مجلة الفيزياء الفلكية إلى أن هذا الانبعاث يحدث عندما ينطلق الغاز المتراكم تحت سطح القمر بشكل انفجاري، نتيجة محفزات مثل الهزات القمرية.
يُصدر الرادون المشع ضوءًا عند تحلله، ما يجعل انبعاثاته قابلة للرصد من الأرض. وتشير الملاحظات إلى أن البقع التي سُجلت فيها أضواء طويلة الأمد تتوافق إلى حد كبير مع مناطق تحتوي على تركيزات عالية من الرادون. ومع ذلك، تستمر بعض الومضات القمرية، مثل تلك التي لاحظها هيرشل لساعات، وقد تكون هذه المشاهدات مرتبطة بالقمر بشكل غير مباشر، وفقًا لدراسة نُشرت عام 2012.
أشارت الدراسة إلى أن الرياح الشمسية تؤين جزيئات الغبار القمري، مكونة سحبًا ضخمة تصل إلى 100 كيلومتر، قد تكسر الضوء القادم من النجوم أو الأجسام الساطعة، ما يجعل سطح القمر يبدو مضيئًا.
يشكك بعض الباحثين، مثل أليكسيوس لياكوس، في وجود الومضات القمرية طويلة الأمد، مشيرًا إلى أن الأحداث الأطول التي رصدها كانت لأقمار صناعية فقط. ومع ذلك، يحذّر الخبراء من أن الضوء المرصود على القمر قد يكون ومضة حقيقية وليست مجرد انعكاس.
اقرأ أيضًا:
من الفضلات إلى الفن.. أغرب ما تركه الإنسان على سطح القمر