logo alelm
لماذا تعيش النساء أطول من الرجال؟

في كل مرة نتأمل فيها أرقام العمر، يطلّ سؤالٌ لا يفقد بريقه، لماذا تعيش النساء أطول من الرجال؟ ليس في بلد دون آخر، ولا في زمن دون آخر، بل في مختلف القارات وعبر العصور، تظل النساء أكثر قدرة على مقاومة الزمن، كأنهن يملكن سرًّا صغيرًا لا يُكشف بسهولة.

الآن، يقترب العلم خطوة جديدة نحو هذا السر، بعد أن قاد فريق دولي من معهد «ماكس بلانك لعلم الإنسان التطوري» دراسة واسعة نُشرت في دورية «ساينس أدفانسز»، تحمل معها مفاتيح مدهشة لفهم هذا الفارق.

هل هي لعبة الجينات فقط؟

اعتاد الباحثون تفسير الفجوة العمرية بين الجنسين من زاوية وراثية. ففي الثدييات مثل الإنسان، تملك الأنثى كروموسومين من النوع X، بينما يملك الذكر X وY. هذه الازدواجية لدى الإناث يُعتقد أنها تمنح حماية إضافية من الطفرات الضارة، وكأنها شبكة أمان بيولوجية.

لكن، ماذا لو كان الأمر مختلفًا في الطيور؟ هناك، الذكر هو صاحب الكروموسومين المتماثلين (ZZ)، بينما الأنثى هي التي تحمل الاختلاف (ZW). المفاجأة أن الذكور في العديد من الأنواع الطائرة يعيشون أطول من الإناث، في انسجام لافت مع فرضية «الجنس غير المتشابه الكروموسومات». ومع ذلك، وكما تقول الباحثة يوهانا شتارك: «لا يمكن للكروموسومات وحدها أن تكتب القصة كاملة، إذ نجد أنواعًا من الجوارح مثلًا، تعيش إناثها أطول رغم كونها غير متجانسة وراثيًا».

ماذا تفعل المنافسة في العمر؟

حين ندقق أكثر، تظهر لعبة أخرى: التنافس الجنسي. في كثير من الثدييات، يتبارى الذكور لإثبات قوتهم عبر الحجم الأكبر أو القرون الأضخم أو الألوان الأشد لفتًا للأنظار. لكن هذه المزايا التي تغري الإناث، تُكلِّف الذكور حياتهم أقصر عمرًا. في الأنواع التي يكثر فيها التعدد الجنسي ويشتد التنافس، يبدو أن الذكور يدفعون الثمن بتراجع سنوات العمر.

أما الطيور، فقصتها مختلفة، إذ تميل إلى التزاوج الأحادي، مما يقلل من حدة الصراع، ويفتح أمام الذكور فرصة للعيش أطول. هنا، يصبح العمر انعكاسًا لاستراتيجية البقاء، أكثر من كونه مجرد لعبة جينات.

هل الرعاية سرّ خفي؟

ثمّة بعد آخر لا يقل أهمية، هو رعاية الأبناء. ففي معظم الثدييات، تتحمّل الإناث العبء الأكبر من التربية والرضاعة والحماية. هذه المسؤولية، كما يبين الباحثون، ربما كانت سببًا إضافيًا في إطالة عمر الإناث، فهي آلية تطورية تضمن بقاء الصغار حتى يصبحوا مستقلين. في المقابل، تلعب الطيور لعبة مختلفة؛ فالذكور فيها أكثر انخراطًا في الرعاية، وهو ما قد يفسر أفضليتهم العمرية في كثير من الأنواع.

ورغم التطور الطبي والتحسن المعيشي، يظل الفارق بين أعمار النساء والرجال قائمًا، وإن كان أقل حدّة مما كان عليه في الماضي. فكما لاحظ العلماء في حيوانات وُلدت في بيئات محمية مثل حدائق الحيوان، يقلّ تأثير البيئة القاسية، لكن الفارق بين الجنسين لا يختفي. الأمر إذن أعمق من ظروف الحياة اليومية، وأكثر رسوخًا في تاريخنا التطوري.

وبحسب الفريق البحثي: «تظل الإناث في الثدييات، بما في ذلك الشمبانزي والغوريلا، أطول عمرًا، وهو ما يشير إلى أن هذه السمة قديمة ومتجذّرة في مسار تطورنا».

هل يمكننا إعادة تعريف الفارق؟

النساء لا يملكن سرًّا بسيطًا يمكن اختزاله في جين أو سلوك، بل منظومة متشابكة من العوامل – من الجينات إلى المنافسة، ومن التربية إلى التطور. والرجال بدورهم ليسوا مجرد ضحايا لطبيعة بيولوجية ثابتة، بل جزء من معادلة أوسع تكتبها الحياة عبر آلاف السنين.

بهذا، يبدو السؤال أقل سذاجة وأكثر عمقًا: هل يتعلق العمر بما نرثه، أم بما نختاره، أم بما تفرضه علينا لعبة البقاء الكبرى؟

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

هل تتحول متحوّرات كوفيد-19 إلى شبح جديد مع قدوم الشتاء؟

المقالة التالية

البحر الأحمر اختفى تمامًا منذ 6.2 مليون سنة.. ما القصة؟