بعد مرور عقود على إلقاء القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما اليابانية، لا تزال الصور الأرشيفية للظلال البشرية المحفورة على الأرصفة والجدران تثير الرعب وتطرح سؤالًا حول كيفية تشكلها.
وأعاد فيلم “أوبنهايمر” الاهتمام العالمي بهذه المأساة، مسلطًا الضوء على السباق المحموم لتطوير السلاح النووي، لكنه لم يعرض بشكل مباشر الآثار الفورية التي خلفتها القنبلة في شوارع هيروشيما، والتي كانت الظلال البشرية أبرز شهودها الصامتين على حجم الدمار.
وتُظهر الصور التاريخية ظلالًا داكنة لأشخاص وأشياء، مثل الدراجات الهوائية وسلالم المصانع، متناثرة في جميع أنحاء المدينة، وللوهلة الأولى، قد تبدو هذه الظلال وكأنها بقايا رماد الضحايا، على غرار قوالب ضحايا بركان بومبي، إلا أن الحقيقة العلمية وراء تكوينها مختلفة وأكثر تعقيدًا، فهي تمثل شاهدًا على القوة التدميرية الهائلة للطاقة الحرارية المنبعثة من الانفجار النووي.
يوضح الدكتور مايكل هارتشورن، الأستاذ الفخري في كلية الطب بجامعة نيو مكسيكو، أن هذه الظلال المخيفة ليست مادة إضافية ترسبت على الأسطح، بل هي في الواقع اللون الأصلي للرصيف أو المبنى قبل وقوع الانفجار، فعندما انفجرت القنبلة، انبعثت منها موجة هائلة من الضوء الشديد والحرارة الفائقة التي انتشرت في كل الاتجاهات، وقامت هذه الطاقة الحرارية بتبييض الأسطح الخرسانية والحجرية المكشوفة بشكل شبه فوري، تمامًا كما يفعل المبيض الكيميائي مع الملابس.
ويكمن سر تكوّن الظلال في أن الأجسام والأشخاص الذين كانوا في مسار هذه الموجة الحرارية عملوا كدروع واقية، حيث امتصوا الضوء والطاقة ومنعوا وصولها إلى الأسطح التي كانت خلفهم مباشرة.
ونتيجة لذلك، احتفظت هذه المناطق المحمية بلونها الأصلي، بينما ابيضّت كل المساحات المحيطة بها، مما خلق تباينًا حادًا جعل المناطق غير المبيضة تبدو كظلال داكنة.
ويعتقد العلماء أنه من المحتمل أن العديد من هذه الظلال قد دُمرت بفعل موجات الانفجار والحرارة اللاحقة التي اجتاحت مدينة هيروشيما.
وينتج هذا الكم الهائل من الطاقة عن عملية الانشطار النووي، حيث يتم شطر نواة ذرة ثقيلة، مثل اليورانيوم 235 الذي استُخدم في قنبلة هيروشيما، بواسطة نيوترون، مما يؤدي إلى تفاعل متسلسل يطلق طاقة مدمرة في جزء من الثانية.
وتنتقل هذه الطاقة على شكل موجات قصيرة من أشعة غاما، بالإضافة إلى طاقة حرارية هائلة قدرت درجة حرارتها بحوالي 5500 درجة مئوية.
وتعتبر أشعة غاما مدمرة بشكل خاص للأنسجة الحية، حيث تخترق الجلد وتتلف الحمض النووي، وهو ما يفسر الأعداد الهائلة للوفيات الناجمة عن التسمم الإشعاعي في هيروشيما.
وفي صباح السادس من أغسطس عام 1945، انفجرت قنبلة “الولد الصغير” على ارتفاع حوالي 580 مترًا فوق هيروشيما، مطلقة انفجارًا يعادل 16 ألف طن من مادة “تي إن تي”.
وأدت هذه القوة التدميرية إلى تسوية ما يقرب من 13 كيلومترًا مربعاً من المدينة بالأرض، ومقتل ربع سكانها على الفور، بينما توفي ربع آخر في الأشهر التالية متأثرين بالإشعاع والسرطان.
وبعد ثلاثة أيام، أُلقيت قنبلة ثانية على مدينة ناغازاكي، مما دفع الإمبراطور هيروهيتو إلى إعلان استسلام اليابان وإنهاء الحرب العالمية الثانية.