قد تكون الفكرة الراسخة بأن كوكبنا يمتلك قمرًا تابعًا طبيعيًا واحدًا فقط بحاجة إلى إعادة نظر جذرية. فقد كشفت مجموعة من العلماء أن المشهد السماوي حول الأرض أكثر ازدحامًا وديناميكية مما كنا نتصور، وأن كوكبنا يستضيف في مداره بشكل دائم حاشية متغيرة من الأقمار الصغيرة.
وتشير دراسة حديثة، أجراها فريق دولي من باحثين في الولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا وفنلندا والسويد، إلى أن ما لا يقل عن ستة “أقمار صغيرة” تدور حول الأرض. هذه الأجسام، التي لا يتجاوز قطر معظمها ستة أقدام، ليست كويكبات غريبة بالكامل، بل يُعتقد الآن أن غالبيتها هي أبناء لقمرنا المألوف.
كان الاعتقاد السائد سابقًا، كما أوضحت دراسة أُجريت في عام 2018، أن هذه الأقمار المؤقتة هي مجرد كويكبات شاردة من الحزام الرئيسي بين المريخ والمشتري، تقع في أسر جاذبية الأرض لفترة وجيزة قبل أن تواصل رحلتها. لكن النتائج الجديدة، التي نُشرت في مجلة “إيكاروس” العلمية، تقلب هذه الفكرة رأسًا على عقب.
وتفيد النظرية الجديدة بأن هذه الأقمار الصغيرة هي في الواقع “مقذوفات قمرية”؛ أي شظايا وحطام من سطح القمر نفسه. فعندما ترتطم الكويكبات بسطح القمر، تتطاير كميات هائلة من الغبار والصخور، وبعض هذه القطع تكون كبيرة بما يكفي لتنفصل وتنجرف في الفضاء، وفي النهاية، تلتقطها جاذبية الأرض لتبدأ بالدوران حولنا لسنوات في مدارات شبه مستقرة.
استند الباحثون في استنتاجاتهم إلى تحليل جسمين تم اكتشافهما مؤخرًا. الأول هو “كامو’واليوا”، الذي رصده تلسكوب بان-ستارس1 في هاواي عام 2016. أظهر هذا الجسم، الذي يتراوح قطره بين 131 و 328 قدمًا، خصائص بصرية فريدة؛ حيث يعكس الضوء بطريقة تتطابق بشكل مذهل مع تركيبة الصخور القمرية الغنية بالسيليكات، وهو ما يختلف كليًا عن تركيبة الكويكبات النموذجية.
أما الجسم الثاني، “2024 PT5″، الذي أُطلق عليه لقب “القمر الثاني” المؤقت للأرض عند اكتشافه في 7 أغسطس 2020، فقد أظهر نفس الخصائص القمرية. وبعد جمع بيانات مفصلة عنه أثناء دورانه حول الأرض، تعززت قناعة العلماء بأنه ليس زائرًا من حزام الكويكبات، بل هو قطعة من قمرنا الأم.
بحسب الدراسة فإن وجود هذه الأقمار الصغيرة ليس دائمًا. فهي ضيوف مؤقتون في نظامنا. وبعد قضاء فترة تتراوح لسنوات في مدار الأرض، تتمكن معظم هذه الأجرام من الإفلات والوقوع تحت تأثير جاذبية الشمس، لتبقى في مدارها إلى ما لا نهاية. وفي حالات نادرة، قد ترتطم بكوكبنا أو بالقمر مجددًا. لكن هذه العملية مستمرة، فبينما يغادر قمر صغير، تحل محله شظايا جديدة من القمر. ويصف الباحث روبرت جيديكي من جامعة هاواي هذه العملية بأنها “تشبه إلى حد ما رقصة المربعات، حيث يغير الشركاء أماكنهم بانتظام ويغادرون حلبة الرقص أحيانًا”.
ويضيف هذا الاكتشاف بُعدًا جديدًا ومثيرًا لفهمنا لتاريخ نظامنا. فوفقًا لـ “فرضية الاصطدام العملاق”، وهي النظرية الأكثر قبولًا لتشكل القمر، فإن قمرنا نفسه هو نتاج اصطدام كوكب بحجم المريخ بالأرض قبل حوالي أربعة مليارات عام، مما أدى إلى تطاير مادة من الأرض تشكل منها القمر لاحقًا. إذا كانت هذه الفرضية صحيحة، وتحليل أصل الأقمار الصغيرة دقيقًا، فهذا يعني أن قمرنا هو والد هذه الأقمار الصغيرة، وكوكب الأرض هو جدها، مما يجعلنا نعيش في مركز شجرة عائلة كونية متغيرة ومستمرة.