في اكتشاف علمي مثير، أشار فريق من العلماء إلى وجود عضية جديدة داخل الخلايا البشرية تُسمى “الهيميفوسوم”. وهذا الاكتشاف يعتبر خطوة هامة نحو فهم أعمق للعمليات التي تحدث داخل الخلايا، خاصةً تلك المتعلقة بإعادة تدوير البروتينات والتخلص منها.
بدأت القصة عندما لاحظت البروفيسورة سهام إبراهيم وفريقها في جامعة فيرجينيا مجموعة من الصور ثلاثية الأبعاد لخلية بشرية أثناء دراستهم للألياف التي تحافظ على شكل الخلايا. في البداية، بدا أن هذه الصور تحتوي على آثار غير ذات أهمية، لكن ما تبين لاحقًا هو أن تلك الآثار كانت عضية جديدة، وهي الهيميفوسوم.
الهيميفوسوم يظهر على شكل “رأس صغير مرتبط بجسم أكبر”، كما وصفته د. سهام إبراهيم، مشبهًا إياها بتمثال ثلجي يرتدي وشاحًا. هذه العضية الجديدة يبلغ قطرها 100 نانومتر فقط، مما يجعلها أصغر من ميتوكوندريا صغيرة، العضية الشهيرة في الخلايا التي تُنتج الطاقة.
تمكن العلماء من ملاحظة الهيميفوسومات باستخدام تقنية متقدمة تسمى “التصوير الإلكتروني باستخدام التبريد” (cryo-ET)، التي تسمح بتجميد الخلايا بسرعة للحفاظ على أكبر قدر ممكن من التفاصيل الهيكلية داخلها. هذه التقنية أكسبتهم القدرة على إنشاء صور ثلاثية الأبعاد دقيقة للغاية للخلية، بدون الحاجة لاستخدام مواد كيميائية أو صبغات قد تشوه الصورة.
في الورقة البحثية التي نُشرت في مجلة “Nature Communications” في مايو، أشار العلماء إلى أن التقنيات الأخرى المستخدمة في التصوير الخلوي قد أخفَت هذه العضية، حيث كانت الهيميفوسومات صغيرة جدًا بحيث كانت تظهر كتمويه أو ضباب في الصور باستخدام تقنيات أخرى.
في دراستهم، اكتشف الفريق تكوينًا غير مألوف للحويصلات الخلوية التي تُستخدم لنقل البروتينات والهرمونات داخل الخلية. التكوين الجديد يتضمن اندماج حويصلتين مع بعضهما البعض مع وجود حاجز دهني مكون من طبقتين بينهما، وهو ما يُسمى “الهيميفيوجن” أو الاندماج الجزئي للطبقات.
هذا الاكتشاف هو الأول من نوعه في الخلايا الحية، مما يشير إلى أن الهيميفوسومات قد تلعب دورًا كبيرًا في العمليات الخلوية، مثل إعادة التدوير والتخلص من البروتينات داخل الخلايا.
يعتبر الفريق الهيميفوسوم عضية حقيقية لأنه يشكل وحدة وظيفية مستقلة داخل الخلية، وليس مجرد هيكل عابر يظهر أثناء تشكيل أو انقسام الأغشية. كما أكد العلماء أن الهيميفوسوم لا يمكن أن يكون مجرد خطأ ناتج عن التجميد، بل هو هيكل حقيقي داخل الخلايا.
على الرغم من أنهم تمكنوا من التأكد من وجود الهيميفوسوم، إلا أن العلماء لا يزالون يجهلون تمامًا دوره المحدد داخل الخلية. تشير إبراهيم إلى أن الهيميفوسومات قد تكون مُقدمة لحويصلات معينة تلعب دورًا رئيسيًا في عملية إعادة تدوير الأغشية الخلوية والتخلص منها، وهو أمر بالغ الأهمية في الوقاية من تراكم المواد التي قد تعرقل العمليات الخلوية.
إحدى الفوائد المستقبلية لهذه الدراسة قد تكون في فهم الأمراض مثل مرض الزهايمر، الذي يرتبط بمشاكل في إزالة البروتينات غير الطبيعية من الدماغ، مما يؤدي إلى تراكمها بمرور الوقت. دراسة الهيميفوسومات قد تسهم في تقديم رؤى جديدة حول كيفية تجنب تراكم البروتينات الضارة داخل الخلايا.
قالت سهام إبراهيم: “بدون استخدام التصوير الإلكتروني باستخدام التبريد، كنا سنفوت هذا الاكتشاف”. وأضافت أن هناك “عالمًا كاملاً من الاكتشافات التي قد نكتشفها بعد هذا”.
الهيميفوسوم قد يكون مجرد بداية لاكتشافات جديدة تقودنا لفهم أعمق للعمليات الخلوية وكيفية تأثيرها في صحتنا وأمراضنا.