تظهر أحدث الإحصاءات الرسمية أن الصين قد تفوقت بشكل حاسم على الولايات المتحدة في تخريج حَمَلة شهادة الدكتوراه في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات (STEM)، في تحول كبير له تداعيات عميقة على مستقبل الابتكار والقدرة التنافسية العالمية. هذا السباق المحموم في مجالات STEM لا يمثل فقط تفوقًا عدديًا، بل يشير إلى تغيير محتمل في موازين القوى التكنولوجية في العقود القادمة.
ويُعتبر خريجو الدكتوراه في تخصصات STEM هم المحرك الأساسي للتقدم العلمي والتقني، وتفوق أي دولة في هذا المجال يمنحها ميزة استراتيجية هائلة في الصناعات المستقبلية.
كان عام 2007 هو نقطة التحول، حيث تجاوزت الصين لأول مرة الولايات المتحدة في عدد شهادات الدكتوراه الممنوحة سنويًا في تخصصات STEM. ومنذ ذلك الحين، استمرت الفجوة في الاتساع بشكل متسارع. فبحلول عام 2022، منحت الجامعات الصينية أكثر من 50,000 شهادة دكتوراه في مجالات STEM، وهو ما يمثل أكثر من ضعف إجماليها في عام 2007.
في المقابل، شهدت الولايات المتحدة نموًا أبطأ بكثير، حيث ارتفع إنتاجها من حَمَلة شهادة الدكتوراه في مجالات STEM بنسبة 41% فقط خلال نفس الفترة. وتزداد الصورة قتامة مع التوقعات المستقبلية، حيث يتوقع “مركز الأمن والتقنية الناشئة” أن تمنح الصين ضعف عدد شهادات الدكتوراه في مجالات STEM التي تمنحها الولايات المتحدة بحلول عام 2025.
يعود هذا التفوق الصيني إلى التوسع المطرد في الاستثمار العام في الجامعات والبحوث، وهي استراتيجية وطنية تهدف إلى بناء اقتصاد قائم على المعرفة. وفي المقابل، شهدت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة تجميدًا للتمويل الفيدرالي الموجه للمؤسسات البحثية الرائدة، بما في ذلك جامعات ذات شهرة عالمية مثل هارفارد.
هذا التباين في السياسات التعليمية والبحثية هو ما يفسر إلى حد كبير اتساع الفجوة في تخريج الكفاءات العليا في مجالات STEM بين القوتين العالميتين. ويخلّف هذا التحول في موازين القوى الأكاديمية له تداعيات استراتيجية كبيرة على الابتكار المستقبلي. فالتفوق في أعداد خريجي STEM ينعكس بشكل مباشر على القدرة على الريادة في مجالات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي، وصناعة أشباه الموصلات، والتقنية النظيفة.
وقد بدأت الصين بالفعل في سد الفجوة مع الولايات المتحدة في مقاييس تكنولوجية رئيسية، مثل أداء نماذج الذكاء الاصطناعي، مما يشير إلى أن تأثير هذا التفوق في مجال STEM بدأ يظهر على أرض الواقع.
وتُعتبر الفجوة المتنامية في أعداد خريجي الدكتوراه في مجالات STEM بين الصين والولايات المتحدة هي أكثر من مجرد إحصائية تعليمية؛ بل إنها مؤشر استراتيجي على التحولات في القوة الابتكارية العالمية. ومع استمرار الصين في الاستثمار بكثافة في رأس مالها البشري، تواجه الولايات المتحدة تحديًا حقيقيًا للحفاظ على ريادتها التكنولوجية التي طالما تمتعت بها.