أقرّ مجلس الأمن الدولي، التابع للأمم المتحدة، يوم الخميس، قرارًا يقضي بإزالة العقوبات المفروضة على الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير داخليته أنس حسن خطاب، في جلسة صوت فيها 14 عضوًا لصالح القرار، فيما امتنعت الصين عن المشاركة في التصويت.
ويأتي هذا التطور بعد أكثر من ثلاثة عشر عامًا من النزاع الداخلي الذي انتهى بسقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر الماضي، إثر هجوم مباغت نفذته فصائل معارضة بقيادة هيئة تحرير الشام، التي كانت في وقت سابق الجناح السوري لتنظيم القاعدة قبل أن تعلن فك ارتباطها به عام 2016. وكانت الأمم المتحدة قد أدرجت الهيئة وقادتها على قوائم العقوبات المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش منذ عام 2014، ما شمل قيودًا تتعلق بتجميد الأصول وحظر السفر وتوريد الأسلحة.
وألغى القرار الأخير رسميًا هذه القيود عن كلٍّ من الشرع وخطاب، في خطوة رأت فيها دمشق تحولًا سياسيًا مهمًا بعد سنوات من العزلة الدولية. واعتبر المراقبون أن رفع العقوبات عن الشرع له طابع رمزي بالدرجة الأولى، إذ كان يُسمح له مؤقتًا بتجاوزها أثناء المهمات الرسمية خارج البلاد. وأشاد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بهذه الخطوة، وكتب عبر منصة X أن “سوريا تُقدّر الجهود الأمريكية والدول الصديقة التي دعمت هذا القرار، وتؤكد أنها خطوة إيجابية نحو استقرار المنطقة”.
ومن المنتظر أن يلتقي الرئيس الشرع نظيره الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض في العاشر من نوفمبر، ضمن محادثات يُتوقع أن تتناول إعادة إعمار سوريا وتطبيع علاقاتها الخارجية. وقال مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، إن الحكومة السورية الجديدة “تُظهر التزامًا ملموسًا بمكافحة الإرهاب والمخدرات، والتخلص من بقايا الأسلحة الكيميائية، وتعزيز الأمن الإقليمي”.
وتُعد زيارة الشرع المقبلة إلى واشنطن الأولى له بصفته رئيسًا للبلاد، والثانية منذ ظهوره أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، في أول خطاب لرئيس سوري من المنبر الأممي منذ عقود. كما سبق أن التقى الشرع الرئيس ترامب في العاصمة السعودية الرياض في مايو، على هامش جولة الرئيس الأمريكي الإقليمية، وذلك بعد أشهر من الإطاحة بالأسد. وكانت هيئة تحرير الشام قد صُنفت من قبل واشنطن كمنظمة إرهابية في يوليو الماضي.
ملامح التحول في المشهد السوري
عادةً ما تُدار عمليات شطب الأسماء من قوائم العقوبات في لجان مغلقة تابعة لمجلس الأمن وتتطلب إجماع الأعضاء، لكن هذه المرة جرى التصويت بشكل رسمي في جلسة علنية. وأوضح السفير الصيني فو كونغ أن امتناع بلاده عن التصويت جاء “نتيجة مخاوف تتعلق بمسائل مكافحة الإرهاب وملف المقاتلين الأجانب”، مشيرًا إلى أن واشنطن “لم تُولِ الاهتمام الكافي لمقترحات التعديل التي قدّمتها الصين”.
ومنذ سيطرة القيادة الجديدة على الحكم، تحاول دمشق تقديم نفسها بصورة مختلفة عن ماضيها المتشدد، مركّزة على خطاب الاعتدال والانفتاح السياسي في الداخل والخارج. وأكدت الحكومة السورية أن المباحثات المقبلة في واشنطن ستتناول ملفات رفع العقوبات المتبقية، وإعادة الإعمار، والتعاون الأمني في مكافحة الإرهاب.
ورحب السفير السوري لدى الأمم المتحدة، إبراهيم العلبي، بالقرار، قائلًا: “إن تصويت المجلس اليوم يُجسد تطلعات السوريين إلى إعادة بناء وطنهم واستعادته لمكانته بين الأمم، ويمثل بداية عهد جديد من الثقة والأمل”. وأضاف: “للمرة الأولى منذ أعوام طويلة، اتفق أعضاء المجلس على رؤية موحدة تجاه سوريا”. وعقب سقوط نظام الأسد، دخلت دمشق وتل أبيب في محادثات مباشرة غير مسبوقة، في وقت لا تزال فيه الدولتان رسميًا في حالة حرب.
وأعرب الرئيس ترامب عن أمله في أن تسير سوريا على خطى عدد من الدول العربية التي وقّعت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل ضمن إطار اتفاقيات إبراهيم، مشيرًا إلى أن واشنطن ترى في القيادة السورية الجديدة فرصة لتحقيق “سلام شامل في المنطقة”. وكان مسؤول سوري قد صرّح في وقت سابق أن بلاده تتطلع لإبرام اتفاقات أمنية وعسكرية مع إسرائيل بحلول عام 2025، في خطوة ستشكّل تحوّلًا تاريخيًا بعد أقل من عام على إسقاط نظام الأسد.
اقرأ أيضًا:
بلد آسيوي على أعتاب الانضمام لاتفاقيات إبراهيم
تصعيد جديد في جنوب لبنان.. والاحتلال يهدد
لماذا لا يهدأ الصراع العسكري في السودان؟











