أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الأسبوع التلميح إلى إمكانية استخدامه لـ قانون التمرد، وهو التشريع الذي يمنحه صلاحيات استثنائية في مواجهة الاضطرابات داخل البلاد. وقال ترامب في تصريحات للصحفيين يوم الثلاثاء: “لقد تم التطرق إلى هذا الأمر من قبل، نحن نريد مدنًا آمنة ومستقرة”.
ويُذكر أن الرئيس سبق وأن لوّح بتفعيل القانون خلال فترته الأولى في البيت الأبيض، إلا أنه لم يُقدم فعليًا على تطبيقه آنذاك. من جانبها، أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، أبيجيل جاكسون، في بيان رسمي أن الرئيس “يستخدم صلاحياته القانونية لحماية المسؤولين والممتلكات الفيدرالية، ولن يسمح باستمرار الفوضى في المدن الأمريكية”.
وفيما يلي توضيح لأبرز ملامح هذا القانون، وتاريخه، وشروط استخدامه، ومدى ارتباطه بتحركات ترامب الأخيرة.
يُعد “قانون التمرد” تشريعًا استثنائيًا يتيح للرئيس الأمريكي نشر قوات الجيش داخل الأراضي الأمريكية في ظروف محددة، بما في ذلك تحويل الحرس الوطني إلى قوة فيدرالية. وبموجب القوانين الأمريكية، لا يمكن للجيش عادة التدخل في شؤون إنفاذ القانون المحلي دون موافقة الكونغرس، غير أن هذا القانون يُعد استثناءً يفتح الباب أمام تدخل القوات المسلحة في حالات الطوارئ الوطنية أو الاضطرابات الواسعة.
وقد وُقّع القانون لأول مرة في مارس 1807 من قبل الرئيس توماس جيفرسون، ومنذ ذلك الحين ظل جزءًا من الترسانة القانونية الأمريكية التي تُستخدم فقط في الحالات القصوى.
رغم قدم التشريع، فإن اللجوء إليه نادر للغاية. وكان الرئيس جورج واشنطن أول من استخدم نسخة مبكرة منه عام 1792 لإخماد “تمرد الويسكي”. أما آخر تطبيق رسمي للقانون فكان عام 1992 عندما استخدمه الرئيس جورج بوش الأب في التعامل مع أعمال الشغب في لوس أنجلوس، وذلك بناءً على طلب من حاكم الولاية ورئيس بلدية المدينة.
ومنذ ذلك الوقت، لم يُفعّل القانون مرة أخرى، رغم تكرار الدعوات إلى استخدامه في بعض الأزمات الداخلية.
يمنح القانون الرئيس صلاحية اتخاذ إجراء في حال تعذر تنفيذ القوانين الفيدرالية بالطرق القضائية المعتادة، نتيجة وجود تمرد أو عصيان أو اضطرابات منظمة. وجاء في نص القانون: “إذا رأى الرئيس أن عوائق أو تجمعات غير قانونية أو تمردات تعيق تنفيذ القوانين الفيدرالية، فيجوز له استدعاء قوات من أي ولاية إلى الخدمة الفيدرالية لاستخدامها في إنفاذ القوانين أو قمع التمرد”.
كما يجيز بند آخر للرئيس استخدام الجيش أو الميليشيات لقمع أي شكل من العنف المحلي أو المؤامرات الجماعية التي تمنع تطبيق القوانين أو تعيق سير العدالة. ومع ذلك، يترك القانون تعريف “التمرد” أو “العصيان” لتقدير الرئيس نفسه، ما يمنحه مساحة تفسير واسعة قد تُثير جدلًا سياسيًا وقانونيًا. وفي مراجعة أجراها مركز برينان عام 2022، وُصف النص بأنه “فضفاض إلى درجة تسمح نظريًا للرئيس باستخدام الجيش ضد أي مجموعة تُخالف القانون الفيدرالي ولو بشكل محدود”.
أبدى ترامب، الذي وُجهت إليه تهمة التحريض على التمرد عقب أحداث 6 يناير 2021، في تصريحاته الأخيرة فهمًا واسعًا لمفهوم التمرد، معتبرًا أن بعض الاحتجاجات أو السياسات المعارضة يمكن تصنيفها ضمن هذا الإطار. فقد كرّر الرئيس كلمة “التمرد” خمس مرات في يوم واحد، وصرّح قائلًا: “مدينة بورتلاند تشتعل منذ سنوات، وما يحدث هناك ليس مجرد اضطرابات بل تمرد إجرامي بكل معنى الكلمة”.
وأضاف في مقابلة لاحقة مع قناة نيوزماكس أن الوضع في بورتلاند “يشكل تمردًا صريحًا”، مؤكدًا أنه سيستخدم القانون “إذا دعت الحاجة”، خصوصًا إذا تعرّض المواطنون للخطر أو عرقلت السلطات المحلية تطبيق القانون الفيدرالي. وفي تصريحات أخرى، وصف ترامب بعض السياسيين الديمقراطيين بأنهم “أشبه بالمتمردين” لأنهم يعارضون مشروعاته التشريعية، وهو ما يعكس تفسيرًا موسعًا وغير تقليدي لمفهوم التمرد في السياق السياسي.
عند تفعيل قانون التمرد، يصبح للجيش الفيدرالي الحق في تنفيذ مهام الشرطة، مثل الاعتقال والتفتيش والسيطرة على الشوارع، وهو ما لا يمكن القيام به في الظروف العادية. أما في المرات السابقة التي استعان فيها ترامب بقوات الحرس الوطني والمارينز في بعض المدن، فقد اقتصر دورهم رسميًا على حماية المباني والمنشآت الفيدرالية فقط.
لكن محكمة فيدرالية في كاليفورنيا قضت مؤخرًا بأن القوات تجاوزت هذا الدور أثناء الاحتجاجات، حيث قامت بإغلاق شوارع ونصب حواجز وممارسة مهام شرطية، ما اعتُبر خرقًا لـ قانون بوسي كوميتاتوس لعام 1878، الذي يمنع استخدام الجيش في إنفاذ القانون المحلي إلا بتفويض خاص كقانون التمرد. وكتب القاضي تشارلز بريير في حكمه أن “الأدلة أوضحت أن القوات استخدمت جنودًا مسلحين ومركبات عسكرية لفرض السيطرة على الحشود”، مشيرًا إلى أن ذلك يعد انتهاكًا صريحًا للقانون. وقد استأنفت الإدارة الأمريكية هذا الحكم، بينما أوقفت محكمة الاستئناف تنفيذه مؤقتًا إلى حين انتهاء المداولات القانونية.
اقرأ أيضًا:
إسرائيل تستعد لزيارة ترامب المنتظرة
إنفوجرافيك| ترامب” لن يفوز بنوبل هذا العام
إنفوجرافيك| الرابحون والخاسرون من رسوم ترامب الجمركية