logo alelm
محاصرة أسطول الصمود.. هكذا تحوّل إلى حملة رقمية قلبت العالم

بينما كانت قوات إسرائيلية مدججة بالسلاح تقتحم أسطول الصمود المتجه نحو غزة محملًا بالمواد الغذائية والطبية، مساء الأربعاء الماضي، كان اثنان من مطوري الويب في مدينة غلاسكو يتابعان المشهد لحظة بلحظة، متصلين بشبكة عالمية من المتابعين الذين ترقبوا مصير الأسطول في بث مباشر غير مسبوق.

وعلى الموقع الإلكتروني الخاص بالأسطول، كانت تُعرض لقطات مشوشة من كاميرات المراقبة توثق عمليات الاقتحام لحظة وقوعها، فيما كان المطوران يحدثان بيانات الرحلة أولًا بأول وينشران مقاطع قصيرة تُظهر استيلاء القوات الإسرائيلية على السفن. وخلال 48 ساعة فقط، تجاوزت زيارات الموقع خمسة ملايين مشاهدة وهو رقم لم يسبق أن سُجل في أي مشروع مماثل.

وتقول ليزي مالكولم، المديرة المشاركة في شركة Rectangle للتصميم والتطوير، والتي تولت مسؤولية المتابعة التقنية للأسطول: “لم أشهد هذا الكم من التفاعل من قبل. لم يسبق أن حقق أي موقع صممته مثل هذه الأرقام”.

أسطول الصمود.. محاولة جديدة لكسر الحصار

كان “أسطول الصمود العالمي” جزءًا من حملة رمزية تهدف إلى كسر الحصار البحري المفروض على غزة، التي أنهكتها حرب إسرائيلية متواصلة منذ عامين. وضم الأسطول أكثر من 40 قاربًا مدنيًا تقل نحو 500 شخص من برلمانيين ومحامين وناشطين، بينهم الناشطة البيئية السويدية غريتا ثونبرغ. ورغم أن السفن لم تصل إلى وجهتها بعد أن اعترضتها البحرية الإسرائيلية واقتادتها إلى موانئها، إلا أن حضورها الإعلامي كان هائلًا. وخلال عشرة أيام فقط، تحوّل الأسطول إلى أبرز تحدٍ علني للحصار المفروض على القطاع، وألهم تنظيم قافلة جديدة من أحد عشر قاربًا آخر انطلقت بعده مباشرة.

وبفضل الحملة الرقمية المتقنة، ووسائل التواصل الاجتماعي، وتقنيات التتبع الحديثة، والتعبئة الشعبية الواسعة، نجح المشروع في خلق زخم دولي غير مسبوق للمطالبة برفع الحصار. وفي المقابل، تصرّ إسرائيل على أن إجراءاتها “قانونية” باعتبارها جزءًا من صراعها مع حركة حماس، ووصفت الرحلة بأنها “استفزازية”، لكن هذا لم يمنع اتساع التأييد للأسطول حول العالم.

وأثارت عملية الاعتراض تلك تظاهرات واسعة في مدن أوروبية عديدة، وامتدت حتى الأرجنتين والمكسيك وباكستان، كما صدرت إدانات سياسية من شخصيات في كولومبيا وماليزيا ودول أخرى.

من مبادرة رمزية إلى حركة عالمية

بدأ الحصار الإسرائيلي على غزة عام 2007 مع سيطرة حركة حماس على القطاع، لكن التحركات الدولية لمناهضته ازدادت زخمًا منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023 عقب هجوم حماس على إسرائيل. ويرى دان ميرسيا، أستاذ التغيير الرقمي والاجتماعي في جامعة سانت جورج بلندن، أن ما جرى لم يكن مجرد حملة تضامن، بل جزء من تحول سياسي وثقافي واسع، خاصة بعد أن اعترفت دول مثل فرنسا والمملكة المتحدة بدولة فلسطين في يونيو ردًا على تصاعد الحرب. ويضيف: “الأسطول لم يكن مجرد حدث عابر، بل أصبح نقطة تحول في الوعي العالمي تجاه القضية الفلسطينية”.

وفي السياق ذاته، فشلت عدة محاولات سابقة في تحقيق الزخم نفسه، منها مبادرة “المسيرة إلى غزة” التي خطط ناشطوها للسير نحو معبر رفح الحدودي قبل أن تُرحّلهم السلطات المصرية، فضلًا عن أساطيل صغيرة حاولت كسر الحصار دون أن تحظى بتغطية تذكر. ولكن اجتماعًا انعقد في تونس خلال يونيو ضم عدة منظمات، بينها “مسيرة غزة”، ناقش سبل توحيد الجهود في إطار حركة دولية منسقة. وقال أنطونيس فاراس، ممثل الوفد اليوناني: “شعرنا بالحاجة إلى مبادرة أكبر وأكثر تنظيمًا، تسمح بتبادل الخبرات والتواصل مع الناس في كل بلد”.

دعم شعبي عابر للحدود

منذ انطلاق الفكرة، لاقت المبادرة تأييدًا واسعًا. ويقول فاراس إن الدعوة الأولى للمشاركة جذبت أكثر من عشرين ألف متطوع. وفي إيطاليا، أطلقت جمعية “موسيقى من أجل السلام” حملة لجمع المساعدات المستهدفة بـ40 طنًا، لكنها تمكنت خلال خمسة أيام فقط من جمع أكثر من 500 طن من الإمدادات. وفي أنحاء أوروبا، بدأت المجموعات المحلية بتجهيز السفن، إذ وفرت البعثة اليونانية وحدها 25 قاربًا من مختلف الدول. وكان الدعم الشعبي يفوق أحيانًا قدرة المنظمين على النقل والتخزين.

كما شاركت النقابات العمالية في التعبئة، ونظمت إضرابات ووقفات تضامنية، لتتحول إلى قوة ضغط فاعلة. وعندما تم اعتراض الأسطول يوم الأربعاء، خرج آلاف المتظاهرين في الشوارع، ودعت النقابات الإيطالية إلى إضراب عام في الثالث من أكتوبر. وانقسمت الحركة لاحقًا إلى فروع وطنية، لكل منها ناطق إعلامي خاص. وتوضح ماريا إيلينا ديليا، المتحدثة باسم الوفد الإيطالي: “النجاح يكمن في أن كل دولة عملت على تعبئة قواعدها الشعبية بشكل منظم ودقيق، ما جعل التنسيق فعالًا للغاية”.

بث مباشر من قلب البحر

كان التواصل بين الأسطول والعالم يجري في بث مباشر مستمر عبر منصات X وTelegram وInstagram، مع مؤتمرات صحفية متكررة عبر Zoom يشارك فيها النشطاء من فوق سطح السفن. شارك حفيد نيلسون مانديلا في الرحلة، كما أجرت غريتا ثونبرغ مقابلات عدة من البحر. واستخدم الفريق تقنيات متقدمة في التتبع والمراقبة. ففي غلاسكو، تابعت ليزي مالكولم وزميلها دانيال باورز بثًا مباشرًا من كاميرات السفن، معتمدين على أدوات دقيقة من بينها أجهزة Garmin وأنظمة احتياطية قائمة على إشارات الهواتف المحمولة في حال فشل الاتصال الأساسي.

وقدمت الكاميرات مشهدًا نادرًا في اللحظات الأخيرة قبل السيطرة الإسرائيلية، حين أمرت البحرية القباطنة بإيقاف المحركات، وصعد الجنود بأسلحتهم ونظارات الرؤية الليلية، بينما جلس النشطاء بهدوء مرتدين سترات النجاة ورافعين أيديهم وفق بروتوكولات السلامة. ومن داخل استوديو صغير في غلاسكو، كان باورز ومالكولم يراقبان الشاشات طوال الليل، يبدلان حالة كل سفينة على الموقع من “مبحرة” إلى “معترضة”. وتقول مالكولم: “رأينا شغف الناس لمتابعة الحدث لحظة بلحظة.. كان الأمر مؤثرًا، وأدركنا أننا نُسهم في إبقاء الضوء مسلطًا على ما يحدث”.

اقرأ أيضًا:
إسرائيل تعترض آخر سفينة في أسطول الحرية
بعد اعتراض إسرائيل لهم.. ماذا يحدث لناشطي أسطول غزة؟
موجة غضب عالمية بعد اعتراض إسرائيل “أسطول الحرية” المتجه لغزة

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

“فضاء المعرفة”.. منصة سعودية لتبسيط علوم الفضاء

المقالة التالية

إنجازات علمية ثورية ولكن لم تفُز بجائزة نوبل