يمضي الاتحاد الأوروبي بخطى متسارعة نحو تنفيذ خطط استراتيجية تهدف إلى تعزيز قدراته الدفاعية على حدوده الشرقية، حيث تقرر المضي قدمًا في إنشاء ما يعرف بـ “جدار الطائرات بدون طيار”، وهو مشروع يُنظر إليه على أنه ركيزة أساسية لحماية دول الاتحاد من التوغلات الروسية المتزايدة. ويأتي ذلك في وقت يشهد فيه الملف الأوكراني تطورات مهمة، أبرزها الدفع نحو اعتماد قرض ضخم بقيمة 140 مليار يورو قائم على الأصول الروسية المجمدة في أوروبا.
وأوضح مفوض الدفاع في الاتحاد الأوروبي، أندريوس كوبيليوس، عقب اجتماع موسع ضم وزراء دفاع من عشر دول أعضاء، معظمها من شرق ووسط أوروبا إلى جانب أوكرانيا، أن إقامة هذا الجدار الدفاعي ضد الهجمات الجوية بالطائرات المسيّرة تمثل أولوية قصوى في المرحلة الحالية، وتشكل عنصرًا محوريًا في حماية الجناح الشرقي للاتحاد. مشيرًا إلى أن هذه الخطط جاءت نتيجة مباشرة لتزايد الهجمات باستخدام الطائرات المسيّرة على أراضي دول أوروبية مثل الدنمارك وبولندا ورومانيا، إضافة إلى الانتهاكات المتكررة للمجال الجوي الإستوني من قبل مقاتلات روسية، بالتوازي مع استمرار القصف الروسي المكثف على أوكرانيا.
وشدد كوبيليوس في تصريحاته على ضرورة إقامة منظومة متكاملة لكشف واعتراض الطائرات المسيّرة، تشمل استخدام الرادارات المتقدمة وأجهزة الاستشعار الصوتية، إضافة إلى أنظمة قادرة على تدمير هذه الطائرات بكفاءة. ومع ذلك، أقرّ بوجود تحديات كبيرة في ما يتعلق بتكاليف المواجهة، قائلًا إن إسقاط طائرة مسيّرة رخيصة الثمن بصاروخ باهظ الكلفة يخلق فجوة اقتصادية غير متوازنة في معادلة الدفاع.
في المقابل، سارع الكرملين إلى انتقاد مقترحات إسقاط طائرات روسية عسكرية فوق الأجواء الأوروبية، واصفًا تلك الدعوات بأنها “مغامرة غير محسوبة” و”تصرف غير مسؤول”، وذلك ردًا على تصريحات للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب التي أثارت جدلًا واسعًا داخل أروقة حلف شمال الأطلسي.
وبينما تواصلت هذه النقاشات الدفاعية، كشف تسريب رسمي عن وجود توجه متزايد نحو تبني خطة تمويل كبرى لدعم أوكرانيا، قوامها قرض بقيمة 140 مليار يورو يعتمد على الأصول الروسية المجمدة لدى الاتحاد الأوروبي. ووفق الوثائق المسربة التي اطلعت عليها صحيفة الغارديان البريطانية، تعتقد المفوضية الأوروبية أن بالإمكان توليد قرض طويل الأجل من دون فوائد بالاعتماد على هذه الأصول المحتجزة لدى البنك المركزي الروسي، من غير الحاجة إلى مصادرتها بشكل مباشر.
يُذكر أن الاتحاد الأوروبي يستخدم بالفعل الأرباح المتحصلة من هذه الأصول لدعم أوكرانيا، إلا أن المبلغ الأساسي ما يزال مجمدًا. وقد رفضت كل من ألمانيا وفرنسا وبلجيكا، حتى وقت قريب، دعوات دول شرق أوروبا لمصادرة هذه الأموال بالكامل، لاسيما وأن الجزء الأكبر منها مودع لدى مؤسسة “يوروكلير” المالية في بروكسل. لكن الموقف الأوروبي يشهد تحولات جديدة، إذ يرى مسؤولون أن هناك إمكانية لإقراض أوكرانيا اعتمادًا على تلك الأصول، على أساس أن روسيا ستضطر عاجلًا أو آجلًا لدفع تعويضات ضخمة لكييف عن الخسائر الناتجة عن أكثر من 1300 يوم من الحرب المستمرة.
في خطوة لافتة، أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرز دعمه العلني لهذه المبادرة عبر مقال رأي في صحيفة “فاينانشال تايمز”، حيث أكد أن توفير أداة مالية آمنة وقانونية سيتيح لأوكرانيا تعزيز صمودها العسكري لسنوات مقبلة. وأوضح ميرز أن الحل الأمثل يتمثل في حصول الخطة على إجماع كامل من الدول السبع والعشرين، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى إمكانية تمريرها بالأغلبية، في إشارة واضحة إلى أن الاتحاد الأوروبي يبحث عن طرق لتفادي الاعتراضات المتوقعة من الحكومة المجرية، المعروفة بقربها من موسكو.
يُذكر أن العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا تحتاج إلى تجديد دوري كل ستة أشهر، وهو ما يمنح بودابست هامشًا واسعًا للتأثير على القرارات الأوروبية، وإن لم تنجح حتى الآن في وقف هذه العقوبات. ومع ذلك، فإن مسؤولي الاتحاد يعتقدون أنهم عثروا على صيغة قانونية تتيح تجاوز شرط الإجماع، بحيث تتحمل روسيا في النهاية تكلفة القرض بينما تكتفي الدول الأعضاء بدور الضامن.
ومن المقرر أن تُطرح هذه القضايا، سواء مشروع جدار الطائرات بدون طيار أو خطة القرض الأوروبي القائم على الأصول الروسية، للنقاش على طاولة قمة كوبنهاغن المقبلة، حيث يسعى القادة الأوروبيون إلى التوصل إلى اتفاق شامل قبل نهاية شهر أكتوبر.
اقرأ أيضًا:
طالب بها ترامب.. لماذا لن يفرض الاتحاد الأوروبي رسومًا جمركية على الصين؟
بعد تفعيل بولندا لها.. ماذا تعني المادة الرابعة لميثاق الناتو؟
إستونيا تتهم روسيا بانتهاك مجالها الجوي لـ12 دقيقة