تقوم العلاقات التاريخية بين المملكة ومملكة البحرين على أسس راسخة من التواصل المستمر، والمودة المتبادلة، وروابط الأخوة التي تجمع قيادتي وشعبي البلدين، حيث تشهد هذه العلاقات نموًا متواصلًا وتطورًا شاملًا في مختلف المجالات، انطلاقًا من ثوابت مشتركة ورؤى متقاربة تجاه القضايا الإقليمية والدولية.
وتستند هذه العلاقة إلى وشائج القربى والمصاهرة والنسب، ووحدة المصير، إلى جانب الجوار الجغرافي، والعضوية المشتركة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجامعة الدول العربية، وعدد من الأطر الإقليمية والدولية.
البدايات الأولى للعلاقات السعودية البحرينية
وبحسب "واس"، ترجع الجذور التاريخية للعلاقات السعودية البحرينية إلى عهد الدولة السعودية الأولى (1745–1818م)، ثم الدولة السعودية الثانية (1840–1891م)، وصولًا إلى اللقاء التاريخي الذي جمع الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، بالشيخ عيسى بن علي آل خليفة، والذي شهد حوارًا مباشرًا بين القيادتين خلال زيارة استمرت يومين، حظي خلالها الملك المؤسس بحفاوة بالغة وتكريم كبير من حكام وشعب البحرين.
وتتسم العلاقات السعودية البحرينية بمستوى رفيع من التنسيق السياسي حيال القضايا الإقليمية والدولية، حيث يتبنى البلدان مواقف متقاربة ورؤية موحدة تجاه القضايا ذات الاهتمام المشترك، إلى جانب تكامل جهودهما في دعم وتفعيل العمل الخليجي والعربي والدولي. وتؤكد زيارة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع إلى مملكة البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي، موقف المملكة الثابت تجاه أهمية الحفاظ على تماسك مجلس التعاون، وتعزيز عمق الأخوة بين شعوبه.
ومن منطلق الواجب الأخوي، وقفت السعودية إلى جانب مملكة البحرين في مواجهة الأطماع الإيرانية، ودعمتها في التصدي للمشاريع التخريبية التي استهدفت زعزعة أمنها واستقرارها والنيل من سيادتها واستقلالها الوطني، مؤكدة استمرار دعمها للبحرين قيادةً وحكومةً وشعبًا في مواجهة كل ما يهدد أمنها واستقرارها.
علاقات متينة مبنية على التنسيق
في إطار العلاقات الأخوية والتاريخية المتينة التي تربط البلدين الشقيقين، وبناءً على توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وأخيه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين تم إنشاء مجلس التنسيق السعودي البحريني، ليكون منصة لتعزيز وتطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.
ويُعد مجلس التنسيق السعودي البحريني الإطار المؤسسي الذي يتم من خلاله الارتقاء بمستوى التعاون بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والاستثمارية والتنموية والثقافية، وفق آلية عمل منتظمة ومستدامة تحقق المصالح المشتركة، وتنسجم مع تطلعات القيادتين والشعبين.
وكان لجسر الملك فهد، الذي يربط بين المملكتين، دور محوري في تعزيز العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وأسهم في تنشيط قطاعات السياحة والترفيه والتجارة في مملكة البحرين، حيث ساعدت توجيهات قيادتي البلدين في دعم التعاون المشترك، وتجسيد ذلك عبر المشاريع الثنائية، وتنمية التبادل التجاري، والعمل على تذليل العقبات أمام النشاط الاقتصادي، وتسهيل حركة رؤوس الأموال بين الجانبين.
ويتطلع البلدان مستقبلًا إلى أن يشكل مشروع جسر الملك حمد إضافة نوعية ومكملة لجسر الملك فهد، وأن يكون جزءًا من مشروع شبكة سكك الحديد الخليجية، حيث يجري تنفيذ المشروع بالتنسيق بين وزارة المواصلات والاتصالات البحرينية، ووزارة النقل والخدمات اللوجستية في المملكة العربية السعودية، والمؤسسة العامة لجسر الملك فهد.
العلاقات التجارية والاقتصادية
تحتل مملكة البحرين مكانة متقدمة كشريك تجاري للمملكة العربية السعودية، إذ تعد الشريك الثاني خليجيًا، والثاني عشر عالميًا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 7.2 مليارات دولار، تمثل الصادرات البحرينية إلى المملكة ما نسبته 60%. وفي المقابل، تُعد المملكة الشريك التجاري الأول للبحرين تاريخيًا، حيث اعتمد الاقتصاد البحريني في السابق على صيد اللؤلؤ، وكانت البحرين مركزًا رئيسيًا لتجارته في الخليج، إذ يُستخرج من السواحل السعودية ويُعرض في أسواق البحرين، إلى جانب صادرات المملكة من التمور والماشية والصناعات اليدوية.
وتشكل المملكة عمقًا اقتصاديًا استراتيجيًا لمملكة البحرين، باعتبارها سوقًا كبيرة أمام القطاع الخاص البحريني لتسويق منتجاته، في حين تمثل البحرين امتدادًا للسوق السعودية لترويج المنتجات الوطنية، ويضطلع مجلس رجال الأعمال السعوديين والبحرينيين بدور فاعل في دعم زيادة حجم الاستثمارات والمشاريع المشتركة. وشهد عام 1438هـ زيارة وفد استثماري بحريني للهيئة الملكية بالجبيل، للاطلاع على مدينة رأس الخير الصناعية، والتعرف على الفرص الاستثمارية المتاحة في القطاعات الصناعية والتنموية والخدمية.
كما عُقد في 21 جمادى الآخرة 1438هـ اللقاء العقاري السعودي البحريني في غرفة المنطقة الشرقية، حيث عبّر المشاركون من الجانبين عن تطلعهم لتوسيع نطاق الشراكات في مجالات الاستثمار العقاري والتطوير العمراني، مع التأكيد على أهمية الشفافية واستمرار اللقاءات المشتركة. وفي إطار الترتيبات الإطارية للتعاون المالي المتعلقة ببرنامج التوازن المالي، والتي وُقعت بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت وصندوق النقد العربي، تم في مطلع عام 1440هـ التوقيع على اتفاقية التعاون المالي بين حكومتي السعودية والبحرين.
وأسهمت السياسات الاقتصادية المنفتحة التي تنتهجها مملكة البحرين، وتنويع مصادر الدخل، وسن التشريعات الداعمة للاستثمار، في استقطاب استثمارات سعودية كبيرة، لتصبح المملكة العربية السعودية صاحبة النصيب الأكبر من الاستثمارات الأجنبية في البحرين.
وامتدادًا للتعاون الاقتصادي، دشن الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، في المنامة بتاريخ 18 ربيع الأول 1440هـ، خط أنابيب النفط الجديد الذي يربط بين معامل بقيق السعودية ومصفاة بابكو البحرينية، بطول 110 كيلومترات، وبطاقة ضخ حالية تبلغ 220 ألف برميل يوميًا، وسعة قصوى تصل إلى 350 ألف برميل يوميًا، في إطار تعاون مشترك بين أرامكو السعودية وبابكو البحرينية.
دعم وتنسيق ورؤية موحدة
وتُثمن مملكة البحرين عاليًا الجهود الكبيرة التي تبذلها السعودية في خدمة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والزوار، وتوفير سبل الراحة والأمن والطمأنينة لهم.
كما تؤكد البحرين وقوفها الدائم إلى جانب المملكة في دورها القيادي لتعزيز الأمن والاستقرار إقليميًا ودوليًا، ودعمها الكامل للإجراءات التي تتخذها المملكة لمكافحة الإرهاب، مجددة رفضها التام لكل أشكال الإرهاب، وداعية إلى تعزيز التعاون الدولي للقضاء على هذه الظاهرة التي تهدد أمن الشعوب والدول دون استثناء.
وتشهد حركة السياحة بين البلدين نموًا متزايدًا، مدعومة بالإجراءات التي تسهل التنقل عبر جسر الملك فهد، بما في ذلك السماح بالدخول باستخدام بطاقة الهوية الوطنية فقط، إلى جانب الجهود البحرينية في تطوير البنية السياحية وتشجيع السياحة العائلية وسياحة اليوم الواحد، مستفيدة من القرب الجغرافي وسهولة الوصول عبر الجسر الذي يبلغ طوله نحو 25 كيلومترًا.
وفي ربيع الآخر من عام 1439هـ، أعلنت الجمارك السعودية ونظيرتها البحرينية تفعيل “المسار السريع” على جسر الملك فهد، بهدف تسريع الإجراءات الجمركية للصادرات، وضمان انسيابية حركة البضائع والشاحنات بين البلدين. وعلى الصعيد الثقافي، تمتد أوجه التعاون لتشمل المجالات الفنية والأدبية والتراثية والإعلامية، حيث تُنظم معارض فنية بشكل دوري، وتُقام مهرجانات الأيام الثقافية سنويًا، مع حرص البحرين على المشاركة الفاعلة في الفعاليات الثقافية السعودية.
وفي مجال الملاحة الجوية، وقعت شركة خدمات الملاحة الجوية السعودية برنامجًا تنفيذيًا مع إدارة الحركة الجوية التابعة لشؤون الطيران المدني في مملكة البحرين، بهدف تعزيز التعاون الفني والتشغيلي، وتبادل الخبرات، والارتقاء بمستوى خدمات الملاحة الجوية بين البلدين والمنطقة. وعسكريًا، يتبنى البلدان مواقف متطابقة تجاه أمن الخليج والمنطقة، ويتجسد ذلك من خلال اللقاءات الدورية بين القيادات العسكرية، وتنفيذ التمارين العسكرية المشتركة.
ويحظى حجاج مملكة البحرين برعاية واهتمام كبيرين من الجهات السعودية، أسوة بجميع ضيوف الرحمن، حيث يعبر الحجاج البحرينيون سنويًا عن تقديرهم للخدمات المتقدمة التي تقدمها حكومة خادم الحرمين الشريفين، وحرصها المستمر على تطوير منظومة الحج بما يضمن أداء المناسك في أجواء إيمانية آمنة.
اقرأ أيضًا:
إنفوجرافيك| بيان القمة الخليجية الـ 46 الختامي
ملك البحرين من القمة الخليجية: أمن دول مجلس التعاون "كل لا يتجزأ"
ذاكرة مجلس التعاون الخليجي.. القادة المؤسسون














