logo alelm
الاستيطان في الضفة.. خطة ممنهجة لوأد حل الدولتين

تُعد الضفة الغربية، التي يعيش فيها قرابة 2.7 مليون فلسطيني، الركيزة الأساسية لأي مشروع لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وكذلك قطاع غزة. هذا التصور المعروف بـ”حل الدولتين” ظلّ لسنوات الإطار الأكثر قبولًا لإنهاء الصراع، وحظي بتأييد دولي واسع.

ولكن الواقع الميداني يبتعد تدريجيًا عن هذا الطرح. فالتوسع الاستيطاني الإسرائيلي حوّل الضفة إلى جغرافيا متقطعة، تقلصت فيها الأراضي المتاحة للفلسطينيين، وتحوّلت بلداتهم إلى جزر معزولة. ومع الحكومة الحالية، التي تضم قوى يمينية تعتبر الضفة جزءًا لا يتجزأ من إسرائيل، تصاعدت وتيرة قرارات البناء والضم.

تتبّع تحقيق لوكالة “رويترز” تطور المستوطنات عبر العقود، أوضح أن شبكة الطرق والمعسكرات والمناطق المخصصة للإسرائيليين عمّقت تقسيم الأرض، وجعلت فكرة الدولة الفلسطينية الموحدة شبه مستحيلة ما لم تُفكك هذه البنية.

تقسيم الأرض في الضفة الغربية

تخضع الأرض في الضفة لتوزيعات متشعبة منها: مستوطنات سكنية وزراعية، قواعد عسكرية إسرائيلية، مناطق تدريب، محميات طبيعية، وأراضٍ مدنية وأمنية تحت السيطرة الإسرائيلية، بما في ذلك القدس الشرقية. هذا التقسيم لا يحرم الفلسطينيين من أرضهم فقط، بل يقيّد تنقلهم ويعيق حياتهم اليومية. وفي سبتمبر الماضي، أعلن بنيامين نتنياهو بوضوح: “لن تكون هناك دولة فلسطينية”، بينما كان يوقّع على خطة لبناء آلاف الوحدات في مستوطنة “معاليه أدوميم”، في خطوة تهدف إلى تقطيع الضفة وربطها بمشاريع استيطانية جديدة مثل “E1”.

ومع انشغال العالم بحرب غزة، يجري على أرض الضفة ما قد يكون أكثر تأثيرًا على مستقبل الصراع، إذ تُرسّخ سياسات بعيدة المدى لتغيير معالمها. وجاء الاعتراف الغربي الأخير بفلسطين، من دول مثل بريطانيا وكندا وأستراليا في سبتمبر 2025، احتجاجًا على السلوك الإسرائيلي في غزة وهي خطوات انتقدتها الولايات المتحدة. لكن رغم أن أغلب أعضاء الأمم المتحدة – 193 دولة – يعترفون بالدولة الفلسطينية، إلا أن هذا الاعتراف وحده لا يوقف توسع المستوطنات ولا يعيد وحدة الأرض.

منذ حرب 1967، التي خرجت منها إسرائيل مسيطرة على الضفة وغزة، تنامى الاستيطان بشكل متواصل. وجعلت الطرق والأنفاق والحواجز التي تبنيها إسرائيل المستوطنات مترابطة أكثر، فيما بقيت المدن الفلسطينية مفصولة بعضها عن بعض. ويتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم، بينما تعتبرها إسرائيل عاصمتها الموحدة، رغم أن الاعتراف الدولي بذلك محدود.

الاستيطان كعقبة حياتية

لم تُغير قرارات محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن التي أكدت عدم شرعية الاحتلال والمستوطنات شيئًا على الأرض. وعلى العكس، تسعى إسرائيل إلى توسيع مشاريعها الاستيطانية، حتى لو أدى ذلك إلى ترحيل آلاف البدو عن أراضيهم. وبالنسبة للفلسطينيين، فالاستيطان ليس مجرد عقبة سياسية، بل عائق مباشر لحياتهم اليومية. في عين يبرود، على سبيل المثال، حُرم المزارعون من أراضي الزيتون التي ورثوها عن أجدادهم، بعد أن استولى المستوطنون عليها ومنعوا أصحابها من الاقتراب منها. ووثّقت منظمات حقوقية إسرائيلية اعتداءات المستوطنين، فيما لا يجد الفلسطينيون سبيلاً لحماية أراضيهم.

ويوضح التاريخ منذ 1948 المسار، من خطة التقسيم التي منحت إسرائيل أكثر من نصف أرض فلسطين – 56% – إلى حرب 1967 التي وضعت ما تبقى من الضفة وغزة -43% – تحت الاحتلال. ورغم أن المجتمع الدولي يعتبر الاستيطان غير قانوني، تواصل إسرائيل تشجيع مواطنيها على الانتقال إلى الضفة، سواء بدوافع دينية أو لأسباب اقتصادية. واليوم يعيش نحو نصف مليون مستوطن في الضفة، تحميهم قوات الجيش وتخدمهم شبكة طرق مغلقة أمام الفلسطينيين. المستوطنات الكبرى أصبحت مدنًا مترسخة، والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تعهدت بعدم التخلي عنها.

اتفاقيات أوسلو عام 1993 جزأت الضفة إلى ثلاث مناطق، لكن هذا الترتيب المؤقت تحوّل إلى وضع دائم. المنطقة “ج”، التي تغطي 60% من الضفة، بقيت تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل، وحُرم الفلسطينيون من تطويرها. في المقابل، يخضع المستوطنون للقانون المدني، بينما يُحاكم الفلسطينيون بموجب القانون العسكري، ما خلق نظامًا مزدوجًا للحقوق. ومنذ أواخر 2023، شهد الاستيطان طفرة غير مسبوقة، إذ فاق عدد الوحدات الجديدة ما بُني خلال العقد السابق بأكمله، وفق تقارير أممية ومنظمات إسرائيلية.

وما زال اللاجئون الفلسطينيون في الضفة، الذين هُجّر أسلافهم عام 1948، يعيشون في مخيمات تحولت إلى مدن مكتظة. هذه المخيمات كانت مسرحًا لعمليات عسكرية واسعة بعد هجوم حماس في 2023، ما أدى إلى نزوح آلاف السكان ومقتل المئات. وجعلت الحواجز العسكرية والطرق الالتفافية والجدار الفاصل حياة الفلسطينيين اليومية معقدة. ووثقت الولايات المتحدة أكثر من 850 عائقًا في بداية 2025، مقابل 565 قبل حرب غزة. وخُصصت الطرق الجديدة للمستوطنين، بينما يواجه الفلسطينيون ساعات طويلة عند الحواجز لعبور مسافات قصيرة.

وبالنسبة للموارد الأساسية مثل المياه يجري توزيعها بشكل غير متكافئ؛ فالمستوطنات تحصل على وفرة بينما تعاني القرى الفلسطينية من نقص يضر بالزراعة والحياة اليومية. وبينما يُنظر إلى حل الدولتين دوليًا كخيار وحيد لإنهاء الصراع، تواصل إسرائيل والمستوطنون ترسيخ واقع مختلف على الأرض، هدفه النهائي منع قيام أي كيان فلسطيني مستقل.

قمة عالمية لمناقشة حل الدولتين

تستضيف نيويورك قمة دعت إليها فرنسا والسعودية، يُرتقب أن تشهد إعلان عدد من قادة العالم اعترافهم الرسمي بدولة فلسطينية. من جانبها اعتبرت إسرائيل من الخطوة ضربة لمسار السلام، مؤكدة على لسان حكومتها اليمينية أنها لن تسمح بقيام دولة للفلسطينيين بينما تواصل حربها ضد حماس في غزة.

وتأتي القمة في وقت اعترفت فيه بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال بفلسطين، على أن تلحق بها فرنسا وخمس دول أخرى. وفي حين باتت غالبية الدول الأوروبية تؤيد الاعتراف، ما زالت ألمانيا وإيطاليا متحفظتين، إذ تشدد برلين على أن الخطوة يجب أن تكون جزءًا من عملية سياسية متكاملة، بينما ترى روما أنها قد تكون غير منتجة. أما روسيا فأكدت عبر الكرملين أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لإنهاء النزاع.

وعلى الجانب الإسرائيلي، قوبلت الحرب في غزة بانتقادات دولية متصاعدة بعد سقوط أكثر من 65 ألف قتيل فلسطيني، فيما يواصل نتنياهو رفض أي دعوات لوقف العمليات، ملوحًا بإجراءات قد تشمل ضم أجزاء من الضفة الغربية أو خطوات ضد باريس. مثل هذه الخطوات قد تؤثر سلبًا على علاقات تل أبيب مع دول عربية كالإمارات، التي حذرت من تقويض اتفاقيات إبراهيم في حال المضي نحو الضم.

من جهتها، شددت فرنسا على أن إعلان الاعتراف يمثل التزامًا سياسيًا ورمزيًا بحل الدولتين، وأنها تتحرك في وقت يتزايد فيه العنف بالضفة وغزة خشية ضياع الفرصة نهائيًا. ورغم موجة الاعترافات الدولية، فإن كثيرًا من الفلسطينيين يرون أنها لن تغير واقعهم ما دام الاحتلال قائمًا، فيما يعتقد إسرائيليون أن الطرف الآخر رفض فرصًا متكررة لبناء دولته واختار طريق المواجهة بدلًا من السلام.

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

عبدالرزاق خوجة.. خطاط العملة السعودية في ذاكرة المملكة

المقالة التالية

إنفوجرافيك| أفضل البنوك السعودية من حيث العائد على السهم في النصف الأول من 2025

الاستيطان في الضفة.. خطة ممنهجة لوأد حل الدولتين - العلم