أدلى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كاش باتيل، بشهادته أمام اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ حول قضية جيفري إبستين، المدان السابق بجرائم جنسية أثارت جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة والعالم.
وأكد باتيل أن المحققين لم يعثروا على “أي معلومات موثوقة” تشير إلى أن إبستين كان يتاجر بالفتيات القاصرات لحساب أي شخصية نافذة أخرى، في تصريحٍ بدا أنه لن يُرضي الكثيرين من المنتقدين، خصوصاً في أوساط حركة MAGA، التي حولت إبستين إلى رمزٍ لفساد النخب السياسية والاقتصادية.
خلال الاستجواب، وجّه السيناتور الجمهوري جون كينيدي سؤالاً مباشراً حول ما إذا كان إبستين يعمل لحساب أشخاص آخرين، وجاء رد باتيل قاطعاً: “لا توجد معلومات موثوقة على الإطلاق”.
لكن كينيدي حذر من أن الشعب الأميركي “يريد معرفة الحقيقة الكاملة”، وأن الأمر لا يتوقف عند مجرد إغلاق الملف، ويعكس هذا الموقف إصرار الجمهوريين على إبقاء قضية إبستين مفتوحة كرمزٍ لعدم الثقة في المؤسسات.
أوضح باتيل أن مكتب التحقيقات الفيدرالي سيُصدر كل ما يُسمح له قانونياً بنشره، لكنه شدد على أن صفقات الإقرار بالذنب السابقة التي عُقدت في فلوريدا عامي 2006 و2007 حدّت من نطاق صلاحيات التحقيق.
وأضاف: “لا أقول إن آخرين لم يتورطوا، لكن ما بين أيدينا لا يثبت ذلك. وما زلنا نطلب من الجمهور تقديم أي معلومات جديدة حول إبستين”.
تحولت جلسة الاستماع إلى فرصة للمعارضين لاتهام المكتب بالتقصير، إذ إن ملف إبستين لا يزال يُلقي بظلاله الثقيلة رغم مرور سنوات على وفاته الغامضة في السجن، فبالنسبة لكثير من الأميركيين، لم يكن إبستين مجرد مجرم عادي، بل حلقة في شبكة فساد معقدة تضم رجال سياسة ورجال أعمال، وهو ما جعل أي نفي رسمي غير كافٍ لتبديد الشكوك.
من جانب آخر، استغلّ الديمقراطيون الجلسة لتوجيه انتقادات لاذعة لباتيل، حيث اتهمه السيناتور ريتشارد بلومنثال بالكذب على الكونغرس وتسييس مكتب التحقيقات الفيدرالي، مشيراً إلى إقالات جماعية لعدد من كبار المسؤولين داخل المكتب.
فيما ذهب السيناتور كوري بوكر أبعد من ذلك باتهامه بارتكاب “دمار جيلي” داخل المؤسسة الأمنية الأبرز في البلاد.
لم تقتصر جلسة الاستماع على إبستين فقط، بل طُرحت قضايا أخرى مثل اغتيال الناشط تشارلي كيرك، وهو ما فتح الباب أمام تبادل الاتهامات بين الديمقراطيين والجمهوريين، لكن لحظة الذروة جاءت عند مناقشة ملف إبستين مجدداً، حيث احتدم النقاش بين باتيل والسيناتور آدم شيف، الذي اتهم المكتب بالتستر على ظروف احتجاز غيسلين ماكسويل، الشريكة المقربة من إبستين، في سجن شديد الحراسة.
شهدت الجلسة مشادات كلامية حادة وصلت إلى تبادل الشتائم، حيث وصف باتيل شيف بأنه “عار وجبان”، بينما رد الأخير قائلاً إن “مديراً لمكتب التحقيقات الفيدرالي يتحدث مثل متصيد على الإنترنت”، وجسدت هذه اللحظات حجم الانقسام العميق بين الحزبين حول إدارة ملفات حساسة مثل قضية إبستين.
بالنسبة للمراقبين، تُعتبر قضية إبستين اختباراً حقيقياً لشفافية مكتب التحقيقات الفيدرالي، فالقضية مرتبطة بشخصيات سياسية واقتصادية بارزة، وهو ما يجعل الرأي العام مقتنعاً بأن هناك ما لم يُكشف بعد، وحتى مع نفي باتيل القاطع، فإن الشكوك لا تزال قائمة، خاصة وأن ملابسات وفاة إبستين عام 2019 في زنزانته لا تزال تثير الكثير من التساؤلات.
ويسعى باتيل لإظهار نفسه كمدير يحافظ على حياد المكتب ويركز على مكافحة الجرائم الكبرى، لكنه في الوقت نفسه يجد نفسه محاصراً بين مطالب الجمهوريين بالكشف عن مزيد من المعلومات حول إبستين، وضغوط الديمقراطيين الذين يتهمونه بالعمل وفق أجندة ترامب السياسية.
من المقرر أن يمثل باتيل مجدداً أمام لجنة القضاء في مجلس النواب لمواصلة الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بإدارته، لكن الواضح أن قضية إبستين ستظل تطارده، ليس فقط كملف جنائي بل كرمز لانقسام أميركي عميق حول الثقة بالمؤسسات، وبينما يحاول المكتب إغلاق الملف قانونياً، يبدو أن الرأي العام الأميركي لن يتوقف عن طرح السؤال ذاته: هل قال مدير “إف بي آي” كل الحقيقة في قضية إبستين؟
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
طالب بها ترامب.. لماذا لن يفرض الاتحاد الأوروبي رسومًا جمركية على الصين؟
إنفوجرافيك| البيان الختامي لـ “قمة الدوحة”.. رسائل قوية في وجه الاحتلال