أعلنت إسرائيل، اليوم الثلاثاء، انطلاق هجومها البري الذي طال انتظاره ضد مدينة غزة، مستخدمة عبارة “غزة تحترق” شعارًا لهذه المرحلة الجديدة من الحرب. وأوضح مسؤول عسكري أن قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي دخلت المرحلة المركزية من العملية، مستهدفة أكبر تجمع سكاني في القطاع، حيث يعيش مئات الآلاف من المدنيين الذين أُمروا بمغادرة غزة والتوجه جنوبًا.
وبحسب جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن الهدف المباشر يتمثل في “تفكيك البنية التحتية لحماس داخل غزة”، في وقتٍ تتواصل فيه الدعوات للسكان بترك منازلهم. ونشر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس على منصة “إكس” رسالة قال فيها: “غزة تحترق، وجيشنا يضرب الإرهاب بقبضة من حديد ويقاتل بشجاعة من أجل تحرير الرهائن وهزيمة حماس”.
أكد سكان محليون أن القصف الإسرائيلي على غزة بلغ مستويات غير مسبوقة خلال اليومين الأخيرين، حيث دمرت الانفجارات العشرات من المنازل، وشاركت الزوارق البحرية إلى جانب الطائرات والدبابات في قصف الساحل. وفي خضم هذه التطورات، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمام المحكمة، خلال جلسة محاكمته في قضايا الفساد، قائلاً: “لقد بدأنا عملية كبرى في غزة”.
وزار وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إسرائيل يوم الاثنين، معلنًا دعمه الكامل لقرار الحكومة الإسرائيلية المضي في التصعيد العسكري والتخلي عن مفاوضات وقف إطلاق النار. وأكد أن الولايات المتحدة تتمنى نهاية دبلوماسية للحرب، لكنها “مستعدة لاحتمال فشل هذا الخيار”. كما أيّد مطالب إسرائيل التي تنص على نزع سلاح حماس وإطلاق سراح جميع الرهائن فورًا باعتبارها الطريق الوحيد لإنهاء القتال في غزة. وفي المقابل، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن الهجمات الأخيرة أسفرت عن مقتل 24 شخصًا على الأقل، معظمهم في مدينة غزة، في الساعات الأولى من العملية.
ومنذ الشهر الماضي، أصدر نتنياهو أوامره للجيش بالسيطرة على مدينة غزة واصفًا إياها بالمعقل الأخير لحماس. وقد تعرضت مناطق واسعة من المدينة للدمار الكامل منذ الأسابيع الأولى للحرب في أكتوبر 2023، لكن نحو مليون فلسطيني عادوا لاحقًا إلى بيوتهم وسط الركام. واليوم، يُجبر السكان مجددًا على النزوح، مما يعني أن معظم أهالي غزة سيجدون أنفسهم محصورين في المخيمات الممتدة جنوب الساحل، حيث تُطلق إسرائيل على تلك المنطقة وصف “المنطقة الإنسانية”.
وتشير بيانات جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى أن نحو 320 ألف شخص غادروا مدينة غزة بالفعل، بينما يُقدر بقاء نحو 650 ألفًا في الداخل. ومع ذلك، لا يمكن التحقق من هذه الأرقام بشكل مستقل، فيما تؤكد الأمم المتحدة أن أعداد النازحين تتزايد يومًا بعد آخر.
يؤكد القادة السياسيون في إسرائيل أن العملية الجارية تهدف إلى القضاء على حماس سياسيًا وعسكريًا، مع الإصرار على ضرورة نزع سلاحها ومنعها من أي دور مستقبلي في غزة. وقد دُمرت مبانٍ عديدة في ضواحي المدينة، بما فيها أبراج سكنية مرتفعة. إلا أن منظمات دولية، بينها الأمم المتحدة، وصفت هذه التكتيكات بأنها تمثل “نزوحًا جماعيًا قسريًا”، محذرة من الظروف المزرية في الجنوب المزدحم حيث يفتقر السكان إلى الغذاء والخدمات. حتى بعض القيادات العسكرية الإسرائيلية أبدوا قلقهم من العملية، مشيرين إلى أنها قد تعرض حياة الرهائن للخطر وتحول غزة إلى “مصيدة موت” للجنود.
وخلال اجتماع أمني عُقد في مقر رئاسة الوزراء، دعا رئيس الأركان إيال زامير نتنياهو إلى البحث عن اتفاق لوقف إطلاق النار بدلًا من استمرار العملية في غزة. في المقابل، تجمع العشرات من عائلات الرهائن أمام منزل نتنياهو في القدس، معربين عن غضبهم من تكثيف القصف في غزة. وقالت عنات أنغريست، والدة أحد الرهائن: “رئيس الوزراء يرسل جنودنا إلى مناطق يتواجد فيها أحباؤنا في غزة، معرضًا حياتهم للخطر بدل السعي إلى اتفاق يعيدهم أحياء”.
وأعلن خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة أن إسرائيل ترتكب “إبادة جماعية” في غزة، معتبرين ذلك النتيجة الأكثر موثوقية لتحقيق أممي حتى الآن. وردت إسرائيل على هذه الاتهامات بالرفض التام، ووصفت التقرير بأنه “محرّف وكاذب”. وفي الوقت ذاته، انتشرت طوابير طويلة من السيارات على الطرق الساحلية في غزة، محملة بأمتعة النازحين الفارين من القصف. ووفقًا للجيش الإسرائيلي، فإن الهدف النهائي هو السيطرة على معظم القطاع باستثناء منطقة كبيرة على طول الساحل.
صباح الثلاثاء، أكد أطباء في مستشفى الشفاء بمدينة غزة وصول جثامين 34 قتيلًا نتيجة الغارات، إضافة إلى عشرات الجرحى. وأوضح مدير المستشفى أن “القصف لم يتوقف طوال الليل”، مشيرًا إلى أن الوضع الإنساني يزداد سوءًا مع نفاد الإمكانيات الطبية. من جانبه، اتهم جيش الاحتلال الإسرائيلي حركة حماس باستخدام الأحياء المدنية في غزة لبناء بنيتها العسكرية، وهو ما ينفيه السكان.
وبدأت الحرب في غزة بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، وتقول إسرائيل إن نحو 20 رهينة ما زالوا على قيد الحياة في غزة. في المقابل، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن الرد العسكري الإسرائيلي أدى إلى مقتل أكثر من 64 ألف فلسطيني، نصفهم تقريبًا من النساء والأطفال، فضلًا عن مجاعة تضرب أجزاء من القطاع.
وحذرت منظمة اليونيسف من أن أي تصعيد إضافي للهجوم البري في غزة سيضاعف معاناة الأطفال بشكل خطير، مؤكدة أن نحو 450 ألف طفل في المدينة يعانون الصدمة والجوع ويواجهون انهيارًا تامًا في الخدمات الصحية. واعتبرت الوكالة أن استمرار العمليات في غزة يهدد بموجة خسائر بشرية غير مسبوقة.