logo alelm
«بيروت تشد الخناق».. ضغوط لبنانية وأميركية لتفكيك اقتصاد «حزب الله» الموازي

على الطريق الخارج من مطار بيروت، تغيّرت الوجوه، اختفى حسن نصرالله من اللافتات، وتوارى قاسم سليماني خلف إعلانات حلاقة تحمل توقيع لويس هاميلتون.

في مشهد لم يكن متخيّلًا قبل شهور، تحاول بيروت أن تُعيد رسم ملامحها بعيدًا عن الهيمنة البصرية لـ«حزب الله»، فيما يبدو أنه أكثر من مجرد حملة تجميلية، إنه تمهيد لـ«معركة اقتصادية» تهدف إلى تفكيك اقتصاد الحزب الموازي.

يأتي هذا التحول بعدما وضعت الحرب الإسرائيلية الأخيرة الحزب في مواجهة غير مسبوقة، باغتيالات طالت قادته، وتدميرٍ هائل لمناطقه الحيوية جنوبًا. وبينما عاد عشرات الآلاف من النازحين إلى الجنوب عقب وقف إطلاق النار في نوفمبر 2024، لم يجدوا سوى الركام.

لكن القصف لم يكن عسكريًا فقط، فمع وصول حكومة جديدة بقيادة رئيس الوزراء نواف سلام، وبضغط متجدد من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدأت بيروت تتحرك على جبهة أكثر تعقيدًا: الاقتصاد الموازي لـ«حزب الله».

كيف يعمل اقتصاد الظل؟

لطالما تفادى الحزب العقوبات الأمريكية عبر شبكة تمويل متشعبة تشمل أنشطة مشروعة مثل البناء والخدمات المالية، وغير مشروعة كتهريب السلع وتبييض الأموال وتجارة المخدرات، من أمريكا اللاتينية إلى بلغاريا.

وفق الباحث جوزيف ضاهر، مؤلف كتاب «حزب الله: الاقتصاد السياسي لحزب الله»، فإن الاقتصاد اللبناني نفسه يدور بنسبة تتجاوز 60% خارج المنظومة المصرفية، وهو ما يجعل تتبُّع التدفقات النقدية شبه مستحيل. يقول ضاهر: «من خلال هذا الاقتصاد النقدي غير المراقب، يهرّب الحزب الأموال، ويدفع الرواتب، ويدعم قاعدته الشعبية».

ولم يكتف الحزب بذلك، بل أسّس مؤسسات مالية موازية، أبرزها «القرض الحسن»، الذي يمنح قروضًا مقابل الذهب والمجوهرات، معززًا نفوذه داخل البيئة الشيعية.

ظلّت هذه المؤسسة لعقود بمنأى عن الرقابة، بحكم تسجيلها كـ«جمعية خيرية»، لكن بنك لبنان المركزي أصدر مؤخرًا توجيهات تحظر على أي مؤسسة مالية التعامل معها، ما وُصف بأنه اختراق قانوني ذكي في بنية الاقتصاد الرمادي.

ما الذي تغيّر بعد الحرب؟

مع احتدام الهجمات الإسرائيلية، فقد الحزب سيطرته على مطار بيروت، أحد معابره الحيوية، لأول مرة منذ سنوات، حيث أقالت الحكومة موظفين مرتبطين به، ونشرت أجهزة رقابة جديدة، وأوقفت مهربين، بل صادرت ملايين الدولارات المرسلة نقدًا من الخارج، وفق مصادر حكومية تحدثت لـCNBC.

في الوقت نفسه، تراجعت قدرة إيران على إمداد حليفها التقليدي بعد تضييق الخناق على خطوط الطيران، وفقدان النظام السوري، حليف طهران القديم، للكثير من نفوذه. وباتت الشحنات القادمة من طهران تحت المجهر، ما أضعف شريان تمويل رئيسي للحزب.

هل تنجح «الفرصة الذهبية»؟

يقول ماثيو ليفيت، مدير برنامج مكافحة الإرهاب في معهد واشنطن: «الفرصة هي الآن»، فمع حكومة لبنانية راغبة، للمرة الأولى منذ عقود، في بسط سلطتها الأمنية، وإيران تحت ضغط داخلي وخارجي، تبدو اللحظة مواتية لكسر قبضة الحزب الاقتصادية.

لكن العقبات كثيرة. فالحزب، رغم خسائره، لا يزال يمتلك قاعدة اجتماعية ضخمة، وتسليحًا فائقًا، وهيكلًا تنظيميًا لا يضاهى في المنطقة. كما أن الضغوط الدولية تتقدم على استحياء. يقول ليفيت «حزب الله لن يتخلى عن سلاحه لمجرد الطلب»، مشددًا على ضرورة توفير «القدرة السياسية والمالية» للحكومة لتنتزع زمام المبادرة.

في السياق ذاته، يشير الخبير الأمريكي ألكسندر زيردن إلى أن الضغط وحده لا يكفي «يجب أن يقترن بالعروض الإيجابية، مثل دعم الإصلاحات الاقتصادية»، لكنه يعترف بأن تراجع ميزانيات المساعدات والتنمية في إدارة ترامب يجعل هذه «الجزر» أكثر ندرة من «العصي».

هل تقبل إيران الانسحاب؟

يرى المحلل اللبناني روني شطح أن الحل الحقيقي يجب أن يمر عبر طهران، فـ«ما لم تُجبر إيران على التخلي عن لبنان كورقة نفوذ، لن يتغير شيء فعلي». شطح، الذي قُتل والده الوزير السابق في تفجير نُسب إلى «حزب الله»، يعتبر أن «النية» وحدها غير كافية. «النافذة تضيق… والإرادة لا تكفي، ما لم تتحول إلى أفعال حقيقية».

 

اقرأ أيضًا:

لماذا أشعل ترامب فتيل الحروب التي تعهد بإنهائها؟

حصن منيع.. كيف نجا الاقتصاد السعودي من اضطرابات المنطقة؟

أوروبا أمام اختبار اقتصادي في ظل تهديدات ترامب بالرسوم الجمركية

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

إعادة تشكيل مجلس معهد الأمير سعود الفيصل والموافقة على نظام الإحصاء.. قرارات مجلس الوزراء اليوم

المقالة التالية

السعودية تسجّل أول دواء حيوي لألزهايمر.. ما هو وكيف يعمل؟