تتجه فرنسا والمملكة المتحدة، اليوم الخميس، لتوقيع إعلان دفاعي مشترك هو الأول من نوعه منذ ثلاثة عقود، في خطوة تعيد رسم معالم الردع النووي في أوروبا، وهو ما يمهد الطريق لتنسيق قدراتهما النووية في مواجهة ما وصفتاه بـ”التهديدات القصوى” لأمن القارة.
ويأتي هذا التحول الاستراتيجي، الذي سيتم إقراره رسميًا خلال قمة تجمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في لندن، كاستجابة مباشرة للمخاوف المتزايدة من تداعيات الحرب في أوكرانيا والشكوك المحيطة بمستقبل الالتزام الأمني الأمريكي تجاه حلف شمال الأطلسي.
ينص الإعلان الجديد على أن وسائل الردع النووي الخاصة بالبلدين ستبقى مستقلة وخاضعة للسيادة الوطنية لكل طرف، لكنه يؤسس للمرة الأولى لإمكانية تنسيقها بشكل وثيق.
وتنص الوثيقة المقرر التوقيع عليها أن “أي خصم يهدد المصالح الحيوية للمملكة المتحدة أو فرنسا يمكن مواجهته بقوات كلا الدولتين”، وهي رسالة تحذير واضحة موجهة للخصوم المحتملين.
ولتفعيل هذا التعاون، سيتم إنشاء “مجموعة للرقابة النووية” مشتركة بين قصر الإليزيه ومكتب رئيس الوزراء البريطاني، ستكون مهمتها تنسيق السياسات والقدرات والعمليات المرتبطة بملف الردع النووي، بما قد يشمل مستقبلاً تنسيق دوريات الغواصات النووية في البحار.
ويعكس هذا التقارب غير المسبوق تحولاً جذريًا في العقيدة الدفاعية للقوتين النوويتين الوحيدتين في أوروبا الغربية، ويأتي مدفوعًا بسياق جيوسياسي متغير، فمنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، تصاعد الخطاب النووي الروسي بشكل غير مسبوق، بالتزامن مع قلق أوروبي متزايد من تذبذب مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه التزامات واشنطن الدفاعية، مما دفع باريس ولندن إلى البحث عن سبل لتعزيز قدراتهما على تحقيق الردع النووي الذاتي.
ويمثل هذا الإعلان نقلة نوعية مقارنة بإعلان عام 1995، الذي اكتفى بالقول إن مصالح البلدين الحيوية مترابطة، دون أي إشارة إلى رد فعل منسق.
ويسعى البلدان من خلال هذه الخطوة إلى إرسال رسالة مزدوجة، فمن جهة طمأنة الحلفاء الأوروبيين بالتزامهما بالدفاع عن القارة، ومن جهة أخرى تحذير واضح بأن أي تهديد جوهري لن يمر دون رد، حتى لو كان ذلك يتطلب تفعيل منظومة الردع النووي المنسقة.
