أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، استنادًا إلى مصادر داخل إيران فضلت عدم الكشف عن هويتها، بأن الجنرال إسماعيل قاآني، قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، قد قُتل ضمن الغارات الإسرائيلية المتواصلة على البلاد التي قتلت شخصيات بارزة داخل البلاد.
ويُعد قاآني المسؤول المباشر عن إدارة والإشراف على شبكة وكلاء طهران العسكريين في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط. وكان قاآني قد تولى هذا المنصب الحساس خلفًا لسلفه الشهير، قاسم سليماني، الذي اغتيل هو الآخر في غارة جوية أمريكية دقيقة في العراق عام 2020. ومن منظور استخباراتي، يُعتقد أن مهام قاآني متعددة الأوجه والمعقدة في المنطقة كانت مرصودة بالكامل، ولم تكن أي من تفاصيلها غائبة عن الأجهزة الأمنية اليقظة، سواء الموساد الإسرائيلي أو وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) أو وكالات الاستخبارات الحليفة في المنطقة.
تولى الجنرال إسماعيل قاآني قيادة “فيلق القدس”، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، في أعقاب الاغتيال الأمريكي المدوّي لسلفه قاسم سليماني في غارة جوية ببغداد عام 2020. وقد ورث قاآني تركة ثقيلة ومهمة معقدة تمثلت في إدارة شبكة وكلاء طهران شبه العسكريين المنتشرة في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم.
وبحسب شهادات شخصيات مطلعة ومحللين غربيين، فإن قاآني لم يتمكن قط من ملء الفراغ الذي تركه سليماني. فقد افتقر إلى الهالة التي تمتع بها سلفه، ولم ينجح في نسج نفس شبكة العلاقات الشخصية الوثيقة مع قادة حلفاء إيران في العالم العربي.
وتفاقم هذا الاختلاف بسبب حاجز اللغة، حيث لم يكن قاآني يتقن العربية، على عكس سليماني الذي كان يتحدثها بطلاقة مع قادة الميليشيات العراقية وحزب الله. كما أن عصريهما كانا مختلفين تمامًا؛ فبينما شهدت فترة سليماني صعودًا وتوسعًا لنفوذ وكلاء إيران، اتسمت فترة قاآني بالانحسار والتعرض لضربات إسرائيلية موجعة عبر الجواسيس والطائرات الحربية.
وقد انعكس هذا الاختلاف في الشخصية العامة لكل منهما. ففي حين كان سليماني نجمًا إعلاميًا تملأ صوره ساحات القتال في العراق وسوريا إلى جانب الميليشيات التي سلحتها ودربتها طهران، آثر قاآني – 67 عامًا – العمل في الظل، مفضلًا الحفاظ على مستوى منخفض من الظهور وإجراء معظم لقاءاته وزياراته إلى البلدان المجاورة بسرية، فلا تتوفر عنه سوى معلومات قليلة عبر الإنترنت أو في البرقيات الدبلوماسية المسربة.
وينحدر قاآني من مدينة مشهد، أحد أبرز المراكز الدينية الشيعية المحافظة شمال شرق إيران، وهو من المحاربين القدامى الذين صقلتهم الحرب العراقية- الإيرانية في الثمانينيات. ويُذكر أنه عمل كنائب لسليماني في قيادة فيلق القدس منذ عام 1997. وتاريخيًا، تركزت خبرته العملياتية في الساحة الشرقية لإيران، لا سيما في ملفي أفغانستان وباكستان، وهو ما يختلف عن توجه سليماني الذي كان يركز على العالم العربي غربًا.
ورغم هذه الاختلافات، سعى قاآني عند توليه المنصب إلى إظهار استمرارية النهج. فقد تعهد بالسير على خطى سلفه، مطلقًا وعودًا بالثأر لمقتله عبر طرد القوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط. ونقلت عنه الإذاعة الرسمية الإيرانية قوله قبيل جنازة سليماني: “نعدكم بمواصلة مسيرة الشهيد سليماني بنفس القوة… والتعويض الوحيد لنا هو إخراج أمريكا من المنطقة”.